استقبال الرئيس إيمانويل ماكرون وزوجته بريجيت الرئيس اللبناني ميشال عون وزوجته ناديا، كان لافتاً بالحفاوة الفرنسية والتقدير والود للبنان الذي تبقى له مكانة خاصة في قلوب الفرنسيين. وأحاط الرئيس الفرنسي الشاب المدعوين إلى عشاء الدولة من لبنانيين وفرنسيين بود ودفء، حتى أن الرئيس الفرنسي تأخر مع ضيوفه متجاوباً مع طلبات كثيرين لالتقاط الصور معه. وكان لافتاً أن ماكرون أصر على القول إن زيارة الدولة للرئيس اللبناني هي الأولى من هذا النوع في بداية عهده كرئيس.
ويرمز الاستقبال إلى العلاقة التاريخية بين البلدين التي أشار إليها الرئيس عون، إلا أنه كان هناك اختلاف واضح بين نظرتي الرئيسين إلى اللجوء السوري في لبنان، فاعتبر عون أن معظم أماكن سورية أصبحت آمنة الآن بعد أن استعاد بشار الأسد معظم المدن فيها، وأنه ينبغي إعادة اللاجئين السوريين إليها، في حين أن ماكرون اعتبر أن عودتهم مرتبطة بحل سلمي لسورية تحاول فرنسا بذل الجهود لتحريكه.
لا شك في أن الرئيس الفرنسي مدرك العبء الذي يمثله اللجوء السوري لكل من لبنان والأردن، فيما الرئيس عون يتخوف من أن الأوروبيين والعالم يسعون إلى توطين اللاجئين السوريين في لبنان. وهو خوف شرعي ولو أن طلب عودتهم الآن قبل الغد إلى بلدهم أمر غير واقعي، فكيف يعودون وهم فروا من وحشية بشار الأسد الذي قصفهم ونعتهم بالإرهابيين ودمّر منازلهم وشرّد أولادهم.
ويقول أحد المقربين من عون إن الرئيس اللبناني يخشى من أن إنشاء المدارس للاجئين وإعطاء المساعدات لهم قد تتحول إلى توطين. إن منطق رفض تعليمهم وإدخالهم المدارس أخطر من التوطين إذ إن مستقبل أجيال من النازحين يتحول إلى قنبلة موقوتة لسورية ولبنان معاً حتى وإن عادوا إلى بلدهم. النازحون الذين أتوا إلى لبنان لم يغادروا بلدهم بسبب «داعش» بل بسبب بشار الأسد. وفرنسا لا تسعى إلى توطينهم بل إلى مساعدة لبنان على تحمُّل العبء. وباريس تختلف في تحليلها للوضع في سورية مع الرئيس عون. فالقيادة الفرنسية تعتبر أن الأسد مسرور جداً لمغادرة السنّة من بلده لأن ذلك يغيِّر توازن الديموغرافيا السورية ويعطيه الفرصة لإعادة تركيب البلد سياسياً كما يشاء بطريقة أسهل. وقال الأسد مرات عدة إن الذين غادروا البلد ذهبوا من منطق الثورة على بلدهم. والأسد يعمل على قانون انتخابي يتيح فقط للذين يقيمون في البلد منذ سنتين التصويت، ما يعني أنه يستبعد النازحين واللاجئين من عملية التصويت.
مطالبة الرئيس اللبناني بإعادة اللاجئين السوريين اليوم تطرح أيضاً السؤال عن كيفية تصوره لذلك. هل يطردهم بالقوة؟ أو يستعد «حزب الله» للقيام بمثل هذه المهمة عبر العودة إلى التطبيع مع بشار الأسد؟ أعلن الوزير جبران باسيل أن لقاءه وليد المعلم في نيويورك كان مرتبطاً بقضية اللاجئين. هل يعني ذلك أن «حزب الله» يريد إجبار الحكومة اللبنانية على التطبيع مع نظام بشار الأسد من خلال قضية النازحين؟ إنه مسعى خطير في شأن نازحين لا يمكنهم العيش في ظل نظام يعتبرهم إرهابيين وقواته تعذّبهم وتقتلهم. واللجوء السوري إلى لبنان ما كان لولا وجود بشار الأسد على رأس السلطة السورية، فمعاناة لبنان وسورية من نظام الأسد الأب والابن لم تتوقف منذ السبعينات عندما تسلم حافظ الأسد الحكم وحتى اليوم مع رئيس أقل براعة وذكاء من والده، ولو أن الوحشية كانت دائماً طابع الحكم.
وكانت لافتة ملاحظة ماكرون في خطابه في معهد العالم العربي عندما افتتح مع عون معرض مسيحيي الشرق عندما قال: «إن الدفاع عن مسيحيي الشرق ليس دفاعاً عن بشار الأسد». واعتبار ماكرون أن غياب حل سياسي حقيقي في سورية يمنع عودة اللاجئين إلى بلدهم الآن، لا يمثل سعياً إلى توطينهم مثلما يفكر البعض في لبنان، وأظهرت فرنسا في هذا الاستقبال حسن نياتها للبنان.
عذراً التعليقات مغلقة