اللافت أن أكثر من طرف بات معنياً بترحيل عناصره في تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وبات الأمر مكشوفاً ربما “أكثر من اللزوم”. بعضهم بـ “السرّ”، لكنه منقول بالصور، وبعض بالعلن. انتهت مهمة “داعش” لدى بعضهم، وكان يجب نقلها من مكان إلى مكان بات بحاجة إليها لدى آخرين. كشفت الحالة الأخيرة أدوار كل من حزب الله والنظام السوري، وأوضحت طبيعة علاقة كل منهما بداعش. وتعلقت هذه الحالة كذلك بنقل جبهة النصرة ومركزتها في إدلب، حيث سيكون الأمر المطروح الآن “محاربة” جبهة النصرة لإخراجها منها.
لنعد إلى البداية، فقد أظهرت معركة الموصل كل الأمور التي كانت مغطاة قبلئذ. جرى ترويج خروج قوافل “داعش” من الفلوجة، بعد أن تدمّرت أقسام مهمة فيها. وأشير إلى فتح الطريق لها لكي “تغور” في الصحراء، طبعاً من دون أن يلحظ الطيران الأميركي، بكل تطوره التكنولوجي، خروج طابور طويل من مسلحي “داعش”، وحين افتُضح الأمر جرى الحديث “الإعلامي” عن قصف الموكب. في الموصل التي كانت آخر أهم معاقل “داعش”، خيضت حرب استمرت ما يقارب السنة، انحصرت الحرب، في نهايتها، في الموصل القديمة التي تعرضت لقصف الطيران والقصف المدفعي بوحشية، الأمر الذي أدّى إلى حدوث دمار كبير، ومن ثم “انتصر” الجيش العراقي والتحالف الغربي في “دحر داعش”. وعلى الرغم من الحديث عن وجود آلاف الدواعش فيها، لم يُعتقل سوى عدد محدود، ولم يُقتل سوى عدد محدود، بالتالي طُرح السؤال: أين تبخّر هؤلاء؟ بعدئذ، ظهر كيف أن طائرات الهيليوكوبتر الأميركية نقلت مئات الدواعش، ربما آلاف، إلى المركز الذي انطلقوا منه. ربما في استراحة محارب إلى حين تحديد الوجهة الجديدة لهم.
ولأن القرار هو بـ “إنهاء” داعش، “تصفيتها”، بات واضحاً أن وضعها في العراق على وشك النهاية، بدأت معركة الرّقة، وتحرّر جزء كبير منها (والتحرير هنا يعني التدمير أيضا)، لكننا لم نجد داعشياً واحداً اعتقل، ولا ظهرت جثثٌ لآلاف كان يقال إنها موجودة في المدينة، وأشير إلى أن التحالف ترك لهؤلاء ممرّا لكي ينتقلوا إلى دير الزور. لكن طائرات أميركية شوهدت، أخيرا، تهبط في محيط دير الزور، وتنقل قادة في “داعش”، وربما عناصر كثيرة كذلك. حيث ظهر واضحاً أن توافقاً أميركياً روسياً قد تبلور، يقوم على أن تقوم القوات الروسية وقوات إيران بـ “مهمة تحرير” دير الزور، على الرغم من كل الحديث الذي كان يقال عن سعي أميركي لـ “تحريرها”، وربما يكون الدور الأميركي محدّداً في “تحرير” طرفها الشرقي، حيث عمل على إشراك كتائب من “الجيش الحر” موجودة في التنف في المعركة، مع قوات أخرى موجودة في الشدادي، حيث تقيم قاعدة لها.
بمعنى أن أميركا تعمل الآن على سحب عناصر “الشركة الأمنية الخاصة” التي تقود الدواعش، وتترك هؤلاء الذين التحقوا تحت أوهام الدين، أو “المساندة” أو غيرها، لكي يلقوا مصيرهم. لقد أنجزت هذه الشركة مهمتها بنجاح، وتغادر لكي تستعد لتكليف جديد في بلد آخر. ولا شك في أن كل الدول التي أرسلت دواعشها أخذت تسحبهم الآن، حيث “انتهت المهمة”، بعد أن شارفت الأمور على توافقٍ يتعلق بترتيب الوضع الإقليمي.
اللافت أكثر ما فعله حزب الله. لقد نقل النظام السوري منذ مدة عناصر من جبهة النصرة من مناطق درعا، بعد أن هربت إلى حواجزه، ووضعها في إدلب. ثم عمل على نقل عناصر “داعش” الموجودين في مخيم اليرموك والحجر الأسود إلى الرّقة، وكذلك نقل عناصر جبهة النصرة الموجودين في المخيم إلى إدلب، لكن الصفقة فشلت بعد تهديد جيش الإسلام بمنع مرورهم إلى هناك. وجرى نقل عناصر لجبهة النصرة من أكثر من مكان إلى إدلب. وآخرها ما قام به حزب الله بنقل هؤلاء (مع فرض انتقال آلاف اللاجئين السوريين) إلى إدلب، بعد معركةٍ برّرت صفقة كانت مقرّرة قبل “هجوم” الحزب على جبهة النصرة. هذا “الهجوم” الذي قطع الطريق على الجيش اللبناني، بعد أن قرّرت الحكومة مهاجمته جبهة النصرة، ليضمن ترحيلهم بدل قتلهم أو اعتقالهم. لكن الجيش قرَّر محاربة “داعش”، ويبدو أن حزب الله لم يستطع ذلك بعد أن استبق الحرب ضد “النصرة”. لهذا تدخل من الطرف السوري تحت حجة محاربة “داعش”، وحين سيطر الجيش على أكثر من 80% من الجرود، كما صرّحت قيادة الجيش، وكان مستمراً في التقدم، تدخل الحزب بحجة معرفة مصير الجنود الذين قتلتهم “داعش” لوقف إطلاق النار، وإنجاز صفقة أنتجت استلام رفات الجنود، وإطلاق عناصر “داعش” بنقلهم إلى دير الزور كما يقال، على الرغم من أن القوات الروسية وقوات حزب الله تتقدم لفك الحصار عن المدينة. ولكن المطلوب نقلهم الى البوكمال، المنطقة التي كان يجب تعزيزها بعناصر من “داعش”، لأن التحالف الدولي مع بعض الكتائب التي تتعاون معه كان معدّاً لها التقدم من التنف إلى دير الزور لـ “تحريرها” من داعش (مع تقدم آخر من منطقة الشدادي، حيث توجد قاعدة أميركية). بالتالي، كان يجب منع ذلك، لأن “الحرب ضد داعش” في دير الزور يجب أن تكون لروسيا والنظام بعناصر حزب الله وإيران والمليشيا الطائفية العراقية.
لا يُراد هنا الإشارة إلى طبيعة “داعش” في البادية السورية وفي دير الزور (أشير في السطور السابقة إلى أن أميركا سحبت عناصرها)، لكن هذا الاستحواذ على “معركة” دير الزور فرض تعزيز وضع “داعش” في البوكمال. هذه داعش حزب الله التي بقي منها أعداد في بعلبك (حسب فداء عيتاني في مقال له)، ومن بينهم أمير في “داعش” كان يرسل المفخّخات إلى الضاحية الجنوبية. بمعنى أن مهمة داعش انتهت في جرود عرسال، كما انتهت مهمة جبهة النصرة، ويجب أن يعود كل منها إلى المنطقة التي تخدم استراتيجية النظام وحزب الله. وما قام به الطيران الأميركي هو “وقف تقدم قافلة داعش”، لكي يقول للنظام وحزب الله إنه يفهم ما يفعلون، لا لكي يدمّر القافلة، حيث سمح بقوافل كثيرة لداعش أن تتنقل في كل هذه الصحراء.
باختصار، أميركا ترحّل “جماعتها”، وحزب الله والنظام يعيدان ترتيب تموضع “داعش” وجبهة النصرة، تمهيداً لـ “معركة الحسم”. حيث تُفشل خطة أميركا بإشراك كتائب مسلحة في معركة دير الزور، وربما قصر المعركة عليهما، وتصبح إدلب الرقة الجديدة التي تحتاج حربا من أجل “تحريرها”. لهذه الأسباب، نقل حزب الله الدواعش، وقبلهم “النصرة”، لكن ما جرى أظهر أن التنظيمين مسيطر عليهما من النظام وحزب الله، كما كانت تسيطر أميركا على أجزاء كبيرة من “داعش”، وربما من جبهة النصرة، وكذلك دول أخرى، مثل إيران وتركيا، وأدوار لدول في الخليج.
عذراً التعليقات مغلقة