لم يوفق ستافان دي مستورا في تصريحاته المتعلقة بواقع الحال في سوريا من موقعه كوسيط دولي، يفترض به ألا يطلق الأحكام على هذا الطرف أو ذاك، وأن يلتزم حدود ولايته المتعلقة بإدارة المفاوضات بين الأطراف المعنية وفقاً للمرجعية الدولية المتمثلة في بيان جنيف 2012، والقرارات ذات الصلة، سيما قرار مجلس الأمن 2254.
في المقابل فإن أوساط المعارضة السورية لم تكن موفقة أيضاً، في عرض أو في توضيح موقفها، من عدة جوانب: الأول، أنها تجاهلت أو أنكرت، حقيقة هشاشة وضعها، سيما عدم قدرتها على بناء كيان سياسي جامع للسوريين، وعدم قدرتها على الدفاع عن المقاصد الأساسية للثورة السورية المتمثلة بالحرية والكرامة والديمقراطية، كبديل عن نظام الاستبداد، في مواجهة الخطابات الدينية والطائفية التي تصدّرت الثورة السورية، ناهيك عن عدم قدرتها على تأطير فصائل المعارضة العسكرية تحت إدارتها.
الجانب الثاني الذي أخطأت فيه المعارضة، فيتمثل في تعاملها مع دي مستورا كأنه صاحب سلطة أو صاحب قرار، وتحميله فوق ما يحتمل في موقعه، في حين أنه موظف أممي بمرتبة وسيط دولي، أي أن مرجعيته الأمم المتحدة، وهذه الأخرى تخضع لسلطة أو لتحكم الدول الكبرى ولمعاييرها وإرادتها.
المبعوث الدولي لا يستطيع أن يفعل شيئاً، لم يستطعه أو لم يحسمه مجلس الأمن، ودوره يقتصر على تنسيق الاجتماعات بين الأطراف المعنيين، إلى حين حسم القوى الدولية والإقليمية الفاعلة في الصراع السوري لموقفها أو لرؤيتها، وذلك بسبب ضعف وتشتت السوريين وضعف كياناتهم المعارضة وارتهان معظمها لأطراف خارجية.
الجانب الثالث، يتعلق بالالتباس الناجم عن التصريح، إذ أن دي مستورا لم يقل إن النظام انتصر، أي أنه اعتبر أن لا حل عسكري للصراع السوري، لا من قبل النظام ولا من قبل المعارضة، وهذا ما أثبتته التجربة، رغم الدعم الذي يتمتع به النظام من إيران وروسيا، وبحكم ضعف المعارضة وتراجعها في ميدان الصراع العسكري، والخلافات في ما بينها.
من حق المعارضة السورية أن تنتقد المجتمع الدولي لموقفه المتخاذل من المأساة السورية، وضمن ذلك عدم حسمه في إنفاذ قراراته، وضمنها بيان جنيف 1 وقرارات مجلس الأمن الخاصة بالصراع السوري.
كما من حقها أن تكشف تلاعب الأطراف الدولية والإقليمية في الوضع السوري، وهذا لا يقتصر على دور إيران وروسيا كشركاء للنظام، وإنما يشمل دور ما يسمى”أصدقاء الشعب السوري”، الذين لم يفعلوا شيئاً يذكر لصالح دعم حقوق السوريين وتطلعاتهم العادلة والمشروعة، قياسا بدعم روسيا وإيران لنظام بشار الأسد، وضمن ذلك فهم لم يفعلوا شيئا لا لوقف القصف بالبراميل المتفجرة والصواريخ الفراغية وحتى الكيماوي، ولا لرفع الحصار عن مئات الألاف من السوريين في هذه المنطقة أو تلك، ولا لوقف تدمير المدن وتشريد الملايين.
وللتذكير فإن بيان جنيف 2012 تحدث عن إقامة هيئة حكم انتقالية ذات صلاحيات تنفيذية كاملة، وهذا يعني وضع حد لحكم الأسد، إلا أن التجاذب الدولي، سيما بين روسيا والولايات المتحدة، وعدم حسم هذه الأخيرة لموقفها، ميّع هذا البيان، وبعد اجتماعات فيينا 2015، وصدور القرار 2254 بات الحديث يدور عن حكومة مشتركة من النظام والمعارضة في تراجع واضح عن بيان جنيف.
وبعد ذلك طرح المبعوث الدولي فكرة السلال الأربع: الحكم الانتقالي والدستور والانتخابات ومكافحة الإرهاب، بيد أنه رضخ في المفاوضات التي جرت منذ جنيف 3 (2016) حتى جنيف 7 (2017) لتلاعب وفد النظام والتدخلات الروسية، بشأن أن الأولوية يجب أن تتركز على مكافحة الإرهاب وعلى تشكيل وفد معارضة موحد.
القصد من كل ذلك أن ثمة طرفين يتحملان مسؤولية هذا التدهور في الوضع الدولي في التعامل مع الصراع السوري. الأول يتمثل بالدول المؤيدة للمعارضة السورية، لأن هذه الدول لم تحسم موقفها السياسي على نحو واضح، ولم تقدّم شيئا عمليا لدعم المعارضة السورية، أو دعم مطالب السوريين.
أما الطرف الثاني، فهو المعارضة السورية، لأنها لم تفعل شيئا لتعزيز صدقيتها إزاء العالم، وحتى إزاء السوريين في الداخل والخارج، بحكم تشتت إراداتها وارتهاناتها، وضعف قدرتها على تمثل تطلعات السوريين، مع الأهواء التي تجاذبتها طوال الفترة الماضية، ويأتي ضمن ذلك عدم تعاملها بمسؤولية مع وضعها كقيادة معارضة وعدم قيامها بمراجعة نقدية لتجربتها.
أخطأ دي مستورا لكن المعارضة السورية أخطأت أكثر بحق ذاتها وبحق السوريين.
عذراً التعليقات مغلقة