* سليمان أبو ياسين
كشفت غزوة الجولاني والأحداث الأخيرة من سقط ومن وقف وثبت في وجه الظالمين، ومع الأسف فقد اعتدنا دائماً وتوقعنا أن تكون نسبة الساقطين والرماديين أكبر من نسبة الرجال والأبطال أصحاب المواقف المشرفة، الذين وقفوا مع الحق وضد الظلم دائماً مهما طال ليله واشتد.
مع بداية العام الجديد كان من الواضح أن اللاعبين الدوليين الذين حاولوا كثيراً إنهاء وجود الثورة في الشمال السوري وجعله ساحة للمافيات ومجمعاً لأرذال البشر كانوا يريدون حصر وضبط الفصائل المعارضة بمعسكرين معتدل ومتشدد، عبر فصيلين يمتلكان قرار الشمال ولا يتبنيان مشروع الثورة ومبادئها ويسهل التفاهم معهما فيما بعد واختراقهما لتمرير أي مشروع مضاد.
أعطت القوى الدولية الضوء الأخضر للقاعدة لتفكيك الفصائل المعارضة والجيش الحر وحاولت ضبط وتحييد حركة أحرار الشام عبر تيار القاعدة الذي كان موجوداً داخلها ومتحكماً بأغلب مفاصلها بقيادة أبو جابر الشيخ. وبينما كانت النصرة تخوض حرباً إعلامية وعسكرية ناجحة ضد فصائل الحر كان واضحاً أن هناك صراعاً شرساً داخل الحركة بين التيار المناصر للثورة والتيار المناصر للقاعدة، هذا الصراع الذي يبرر سابقاً تقلب مشروع الحركة ومواقفها ما بين مشروع أمة وثورة شعب.
انتهت تلك الفترة دون أن يحقق أصدقاء الأسد انتصاراً كاملاً، فقد حققت القاعدة هدفها بانتصارها على الجيش الحر لكنها فشلت في السيطرة على حركة أحرار الشام من داخلها، لينتهي التيار القاعدي داخل الحركة بالانشقاق والهرب واللجوء للجبهة الأم وقد حاولت القاعدة استغلال ذلك في ضرب الحركة وإضعافها.
خلال الأشهر الأربع الماضية كان واضحاً أن قيادات الحركة التي أنهكها الصراع مع تيار القاعدة قد بدأت تتخذ التدابير اللازمة لإعادة البريق لثورة الكرامة عبر العودة والتصالح مع حاضنتها الثورية والشعبية، وظهر ذلك من خلال محاولة تفعيل دور حاضنتها الثورية للنهوض بأنشطة الثورة مجدداً، وعبر تبني مشروع الثورة كاملاً ورفع رايتها فوق كل المناطق والمقرات التي تسيطر عليها، بالإضافة لقطعها الطريق على “الدواعش” المتسترين بجبهة تحرير الشام، ومحاولة سحب قسم من مواردها لتمويل الثوار وتمكينهم على الجبهات الأخرى.
كل ذلك.. بالإضافة إلى الرغبة بحصار الثورة والثوار وقطع الطريق أمام آخر منافذهم الحدودية، دفع لاتخاذ قرار داخل أقبية هيئة تحرير الشام بتفكيك الأحرار ومحاربتهم وإضعافهم والسيطرة على المنطقة بغض النظر عن الأسباب التي أوردتها شبيهة قناة الدنيا “وكالة إباء” التي يعرفها الثوار بأنها “أبواق” هيئة تحرير الشام والقاعدة، التي أكد العديد من الشرعيين أن الارتباط مازال وثيقاً بينهما، المنهج واحد، والإجرام هو ذاته، لكن على الورق وأمام الإعلام.. لا يوجد أي ارتباط.
كان من المتوقع أن تكون نتائج الجولة ما بين الثوار والقاعدة هذه المرة أسوأ بكثير من الجولات السابقة ضد فصائل الحر، فالقاعدة التي وصفها خصومها بجبهة الغدر كانت قد جهزت لهذه الجولة منذ فترة عبر جهازي إعلام، جهاز داخلي خطابه قاس يعتمد على المنابر والشرعيين حيث كانت تحشد على المنابر وفي حلقات الدعوة التي قلبتها من حلقات دعوة إلى الله إلى حلقات دعوة لقتل المسلمين بدم بارد عبر تربية أنصارها وعناصرها على الحقد وتكفير المخالف.
كما اعتمدت القاعدة على جهاز إعلامي موجه للخارج عبر مواقع التواصل الاجتماعي التي نجحت من خلالها في بث الشائعات ونسج التهم الكثيرة، وساهم في نجاحها غياب دور نشطاء الثورة الإعلاميين الذين تم استهدافهم بتهديدات واعتقالات، ما أحدث عندهم حالة من الرعب والجمود و خاصة بعد الغدر والانكسارات التي تعرضت لها الحركة عسكرياً في قطاع البادية وفي بعض القرى والمدن مثل سراقب.
كانت الخسارة أمام القاعدة في هذه الجولة و الفشل على كل المستويات سياسياً وعسكرياً وفكرياً نتيجة طبيعية، فقد حصدت الحركة ما زرعته القاعدة وشياطينها في عقول أبنائها، وحصدت ما زرعته في حاضنة الثورة من خذلان نتيجة لسكوتها على تفكيك بقية الفصائل وعلى وجود من يناصر القاعدة داخل صفوفها.
لكن هل كانت تلك الخسارة نهاية الحركة أو نهاية التيار الثوري الذي مازال داخلها؟
ربما يخطئ من يظن أن خسارة عدد من الشهداء والآليات وصدمة خسارة معبر حدودي سيكون نهاية للثورة والثوار في الشمال، بل على العكس، شكلت هذه الخسارة بداية لانتصار يلوح في الأفق، هو بداية لانتصار كبير سيفرح فيه الثوار بطرد القاعدة وبتوحيد جهودهم ضمن تشكيل ثوري جامع، أمام الرأي العام الداخلي، قد فُضح منهج البغاة والخونة، وعادت المظاهرات لتشتعل من جديد في عدد من المدن والبلدات والقرى في إدلب مركز قوة القاعدة، وعلى مسرح المعارك الإعلامية والعسكرية بانت مواطن قوة تشكيلات القاعدة وضعفها، وعرفت أسلحتهم وكشفت سياستهم في إدارة المعارك ضد الثوار.
أما على صعيد حركة أحرار الشام، فقد تخلصت هي والثورة من الحمل الزائد شمالاً من المقاتلين المرتزقة والجبناء الذين لم ولن ينفعوا، لا في المعارك ضد الأسد ولا في المعارك ضد القاعدة، وباتت الحركة قاب قوسين أو أدنى من إعادة هيكلة صفوفها وضبط وجهتها وانتخاب قادة جدد ربما سيكون على رأسهم هذه المرة أبو عيسى الشيخ قائد صقور الشام الذي عرف بحزمه وعزمه على استئصال داعش والقاعدة من الشمال السوري.
فهل تكون الجولة القادمة بين الثوار والقاعدة بعيدة أو قريبة؟
هذا يعتمد على مدى جاهزية الحركة وجنودها في مختلف المجالات، وعلى مدى إجرام القاعدة، وصبر الحاضنة عليه خلال الأيام القادمة.
عذراً التعليقات مغلقة