* معن البياري
لا يحق للأردنيين هذا الغضب الذي أعلنوه، بعد سماح سلطات بلادهم لإسرائيليٍّ قتل اثنين منهم بالسفر، بعد أقل من 36 ساعة، إلى أهله المحتلين في فلسطين. لا يجوز لهم أن يغضبوا، لأن الأدعى أن يفهموا أن اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية (1961)، تجيز لهذا القاتل أن يرتكب جريمته، ثم ينصرف إلى “بلده”، طالما أن حكومته أبلغت نظيرتها الأردنية أنه دبلوماسي، ولو كان مجرّد حارس.
أما إذا زعل الأردنيون مما اعتبروه امتهانا لكرامتهم، وكرامة بلدهم، في مكالمة رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، مع القاتل، والطلب منه أن يرتاح في إجازة، وأن يكلّم صديقته، فذلك زعلٌ غير جائز، إذ يعدّ تعديا على علاقات مسؤولٍ أجنبي بواحدٍ من شعبه، ويحسُن بالأردنيين أن لا يدسّوا أنوفهم في مسائل مثل هذه. وبشأن استقبال نتنياهو القاتل، والتقاط صور ضحكٍ بينهما، ثم بثّها، وتاليا بث صور للقاتل مع صديقته يحتسيان بانبساطٍ ما يحتسيان، فإن الأردنيين، إذا ما استرسلوا في القيل والقال في هذه الأمور، يتمادون، ويثرثرون في شؤونٍ شخصيةٍ تخصّ إنسانا كان في ضيافتهم، ثم غادرهم بكرامته، ولا يليق بالأردنيين أن يزيدوا ويعيدوا في أمورٍ فردية مثل هذه.
لا يستقيم الحديث بكلام سياسي وقانوني عن جريمة قتل الإسرائيلي مواطنيْن أردنيّين، في مبنىً سكني تستخدمه سفارة دولة الاحتلال في نطاق مجمعها في حي الرابية في غرب عمّان، وعن استجابة الحكومة الأردنية لمطلب تل أبيب (وواشنطن ربما؟) عدم عرقلة مغادرته الأراضي الأردنية.
لا يمكن “التنفيس” عن حالة الفجيعة الجارحة التي يشعر بها كل أردني، بعد الذي حدث، منذ الجريمة عصر الاثنين الماضي، وصولا إلى ذيوع صور القاتل مع صديقته فرحيْن، إلا بالكيفيّة الكوميدية أعلاه. أما إذا ذهبنا إلى ما يتيسر من جدّيةٍ ممكنة، فمن المدهش أن يكون حرص السلطات الأردنية على كل هذا الالتزام الحرفي باتفاقية فيينا إلى هذا الحد، مع العلم أن ثمّة تخريجاتٍ قانونيةً غير قليلة، كان في الوسع أن يُحتكم إليها، وتتوفر على مقادير من “استحقاقات” الكرامة الوطنية، ولكن الظاهر أن قرار السماح بمغادرة القاتل البلاد بدا سياسيا، وليس إجراءً قانونيا صرفا، ذلك أن تمسّك عمّان، طوال نهار الاثنين، بضرورة أخذ إفادات القاتل لم يوضح بيان مديرية الأمن العام الذي أعلن مساء اليوم نفسه أن ذلك هو ما تم الأخذ به، وهو البيان الذي أفاد بإنهاء كل التحقيقات “بالاستماع إلى أقوال عددٍ من الشهود”، وبديهيٌّ أن الحارس (الدبلوماسي) الإسرائيلي ليس شاهدا.
ليس مستحسنا أن يخوض معلقٌ صحافيٌّ في إجراءات فنية ومهنية، تتصل بعمل أجهزة مختصة، إلا أنه مشروعٌ أن يستأنس واحدُنا بذوي الدراية من أهل القانون، ومنهم نقيب المحامين الأردنيين السابق، مازن ارشيدات، والذي أوجز القصة كلها، في قوله إن ما جرى هو “تفوّق قانون القوة على قوة القانون”، وإنّ تجاوزاتٍ قانونيةً عديدة تمت في التعامل الرسمي مع الحادثة، والأصل هو انتظار قرار القضاء بالتحفّظ على القاتل (الدبلوماسي) أو إخلاء سبيله. وإلى هذا الإيضاح، فإن اتفاقية فيينا، الأوْلى لدى الدولة الأردنية من أي اعتبار، تفيد بأن سلطات بلاد القاتل هي التي عليها محاكمته. وإذا كانت حكومة الاحتلال الإسرائيلي قد “باعت” السلطات الأردنية ما قد تسمّيها “ضماناتٍ” بمحاكمة الحارس المجرم، فإن السماء لو تريد أن تمطر لبدت الغيومُ أولا، واستقبال الأبطال الذي حظي به المذكور من نتنياهو، ثم تقديم الأخير أولوية أن يلتقي المجرم صديقته على أي شأنٍ آخر، لا يأخذانا إلى أن هذا الحارس سيُعاقب بما يستحق، بعد محاكمةٍ حقيقية.
يحتاج الأردنيون إلى تأجير عقولهم، قبل أن يصدّقوا أن إسرائيل ستأخذ مقتضيات اتفاقية فيينا على محمل الجد. وقبل أن يصدّقوا أيضا أن ما قاله وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، عن إجراءاتٍ قضائيةٍ وقانونيةٍ كاملة ستتم، من أجل تحقيق العدالة بشأن “جُرم” (بتعبيره) مقتل مواطنيْن أردنيّين. .. ومن دون تطويل كلام، ثمّة أذىً كبير لحق بالأردنيين، في وجدانهم ووجودهم، مع واقعة القتل، كما جرت، ثم سفر المجرم مظفّرا، ليهنّئه نتنياهو بالسلامة من خدش “مفكّ”، وليسرّي عن نفسه بملاطفة صديقته.
- نقلاً عن: العربي الجديد
عذراً التعليقات مغلقة