* كميل الطويل
لم ينتهِ تنظيم «داعش» في سورية بعد. لكن ذلك يبدو اليوم أقرب من أي يوم مضى. فهو يتراجع بسرعة في البادية أمام القوات النظامية وحلفائها (وأمام فصائل المعارضة أيضاً)، وخسر آلاف الكيلومترات المربعة على امتداد الحدود مع الأردن والعراق.
أما في الشمال، فيواجه التنظيم خسارة عاصمة «خلافته» بعدما باتت «قوات سورية الديموقراطية» على مشارف مدينة الرقة.
يُفترض أن يساعد انهيار «داعش» في سورية في تظهير صورة الحل في هذا البلد الغارق في الحرب، ولكن هل هذا ما يحصل فعلاً؟
تبدو الصورة أكثر وضوحاً في شمال سورية وشمالها الشرقي مما هي عليه في جنوبها وجنوبها الشرقي. واتضاح الصورة أو غموضها يرتبط إلى حد كبير بتحديد الطرف المسيطر على الأرض.
لا ينشط في شمال شرقي سورية في الحقيقة سوى تحالف «سورية الديموقراطية» الذي يهيمن عليه الأكراد ويخضع لإشراف أميركي مباشر. نجح هذا التحالف، حتى الآن، في فرض سيطرته الكاملة على امتداد محافظة الحسكة عند مثلث الحدود مع العراق وتركيا، وعلى أجزاء واسعة من محافظة الرقة، وصولاً إلى جزء من محافظة حلب (كوباني شرق الفرات ومنبج غربه). ومع اقتراب بدء معركة طرد «داعش» من مدينة الرقة، تبدو «قوات سورية الديموقراطية» على أهبة إطلاق «رصاصة الرحمة» على «خلافة داعش» الميتة سريرياً في سورية والتي تلفظ أنفاسها الأخيرة في العراق أيضاً (مع إنهاء آخر جيوب المقاومة في الموصل).
وعلى رغم أن للحكومة السورية وجوداً رمزياً في محافظة الحسكة (مدينتي الحسكة والقامشلي)، إلا أن السيطرة الفعلية في كل شمال البلاد، من الحسكة شرقاً مروراً بالرقة وريفي حلب الشمالي الشرقي (كوباني ومنبج) والشمالي الغربي (عفرين)، هي في الواقع لفصيل واحد لا منافس له هو «سورية الديموقراطية» وعماده «وحدات حماية الشعب» الكردية. وبما أن قوات أميركية تنتشر إلى جانب الأكراد في أجزاء واسعة من هذه المنطقة، فمن المنطقي الافتراض أن أحداً لن يجرؤ على تهديدها على طول الحدود مع تركيا التي كانت الطرف الوحيد الذي دأب على تهديد الأكراد، ملوحة بتوسيع الجيب الذي تسيطر عليه في ريف حلب الشمالي (يفصل بين منبج وعفرين). لكن نشر الأميركيين قواتهم إلى جانب الأكراد وضع حداً، كما يبدو، لتهديدات أنقرة.
هذه الهيمنة لـ «سورية الديموقراطية» في شمال البلاد تختلف إلى حد ما عن صورة الوضع في جنوبها وجنوبها الشرقي. هنا القوة الأكبر حالياً هي لجماعات شيعية تتدفق بإشراف إيراني لمساعدة القوات النظامية السورية في فتح طريق دمشق – بغداد.
فتح هذا الطرف في الأيام الأخيرة جبهات متعددة. فمن ريف السويداء الشرقي، انطلقت قوات عبر مناطق جرداء قرب حدود الأردن، وسيطرت على مناطق كان «داعش» ينتشر فيها سابقاً قبل أن تطرده منها فصائل معارضة. أما في البادية، فتقدمت القوات النظامية وحلفاؤها من ريف دمشق الشرقي وحاصرت المعارضة في القلمون الشرقي الذي كان «داعش» يحاصره سابقاً، قبل أن تحل محله القوات النظامية والموالون لها. والتقت هذه القوات قبل أيام مع قوات أخرى كانت تتقدم في ريف حمص الجنوبي الشرقي، متجهة كما يبدو نحو معبر التنف في إطار خطة فتح الطريق إلى بغداد.
لكن القوات النظامية والميليشيات الشيعية ليست وحدها من يحاول طرد «داعش» من البادية، فهناك أيضاً فصائل مدعومة من دول غربية. وعلى رغم أن الأميركيين ضربوا حلفاء للنظام السوري عندما اقتربوا من الفصائل في التنف، إلا أن ذلك لم يتكرر على رغم مواصلة القوات النظامية وحلفائها تقدمهم في المنطقة ذاتها.
هل سيسمح الأميركيون للحكومة السورية والجماعات الشيعية بمواصلة التقدم نحو حدود العراق؟ ليس واضحاً الجواب حتى الآن، لكن إذا ما حصل ذلك وسبقت القوات النظامية المعارضة إلى دير الزور، فإن ذلك سيعني بلا شك تكريساً أميركياً – روسياً لمناطق النفوذ السورية. سيهيمن الأكراد وحلفاؤهم على الشمال، بحماية أميركية، بينما تهيمن القوات النظامية والجماعات الشيعية على جنوب شرقي البلاد، بحماية روسية. ربما هذا ما دفع بجزء من المعارضة لرفض اتفاق آستانة الخاص بمناطق «تخفيف التصعيد» الأربع خشية أن يؤدي إلى تقسيم سورية. مع انهيار «داعش» وتقاسم إرثه، ستصبح «مناطق تقاسم النفوذ» ست مناطق بدلاً من أربع.
- نقلاً عن: الحياة اللندنية
عذراً التعليقات مغلقة