روى ناشط إغاثي أُطلق سراحه منذ أيام جوانب من قصة اعتقاله على يد قوات “آسايش” الكردية أثناء عمله مع منظمة “سيفيل كير” بإيصال المساعدات لمهاجري حي “الوعر” في جرابلس. وأودع في معتقل “السجن الأسود” في “عفرين” لمدة شهر تعرّض خلالها لأشد أنواع الضغوط النفسية والجسدية، وكشف عناد رامي -اسم مستعار- أن السجن المذكور الواقع في جبل بقرية “راجو” الكردية كان يضم أكثر من 800 معتقلا غيره.
فريق لمنظمة “سيفل كير” اضطر رامي للذهاب إلى هناك بهدف تأسيس فريق لمساعدة النازحين وتأمين مستلزماتهم اليومية، ولدى مروره من مدينة “عفرين” تم اعتقاله من قبل قوات “آسايش” الكردية على أحد حواجزها، وكانت تهمته -كما يقول لـ”زمان الوصل” وجود صور لعلم الثورة ومشاهد من أحياء “معضمية الشام” المدمّرة وتم اقتياده إلى مركز “آسايش” الواقع في منطقة “شران” بعفرين، وهناك تم تفتيشه بدقة والتحقيق معه من قبل أحد عناصر المركز الذي هدده بأنه سيرسله إلى قوات النظام.
وتم اقتياده فيما بعد إلى مدير مخفر “شران”، الذي يطلق عليه لقب “هافون”- أي الرفيق- وبعد تجريده من أغراضه الشخصية أُنزل الإغاثي المعتقل إلى سجن تحت الأرض كان–كما يقول- يضم العشرات من عناصر الجيش الحر بتهمة مقاتلة النظام والانتماء لتنظيم “الدولة”.
بعد 6 أيام طُلب عناد إلى التحقيق ثانية وتم أخذ اسمه واسم والده وأمه وأخواته وأعمامه وأخواله وعماته وخالاته وعدد من قضوا من عائلته وأقاربه في الثورة وسُئل محدثنا –كما يروي-عن عمله الإغاثي منذ بداية الثورة وما الذي كان يتقاضاه من عمله هذا وفترة اعتقاله لدى النظام وأسماء الأشخاص الذين عمل معهم في تنسيقيات دمشق والمكتب الإغاثي في التابع لمجلس قيادة الثورة في دمشق والأحياء الجنوبية. وأردف محدثنا: “بعد الانتهاء من التحقيق معي الذي بدا وكأنه معلومات استخباراتية تم إعادتي إلى السجن”.
*السجن الأسود يحييكم
بعد 12 يوماً طلب السجانون الأكراد ممن ينادى على اسمه أن يجهز أغراضه للخروج، وكان محدثنا يظن أن الإفراج عنه قد اقترب، لكنه فوجئ بوضعه مع 15 شابا آخرين في سيارة عسكرية مقيدي اليدين ومغمضي العينين بعصابات قماشية وبعد مسير نصف ساعة تقريباً وصلوا إلى جبل في قمته مبنى عبارة عن سجن وهناك تم إيقافهم صفاً واحداً أمام جدار وبعد فك الكلبشات عن أيديهم والعصابات عن أعينهم، تم أخذ عناد وهو الإغاثي الوحيد بين المجموعة إلى غرفة تحوي منفردات من طابقين وقد علقت على حائط فيها لوحة كتب عليها عبارة “فرع مكافحة الإرهاب –السجن الأسود يحييكم”.
وعلى باب المنفردة تم تفتيش الإغاثي الشاب وهو عار من الثياب وتم تبصيمه على الأمانات التي بحوزته ومنها بطاقته الشخصية وجواز سفره ومبلغ 11 ألف ليرة سورية ومائة دولار وجوالان لم يتم تبصيمه عليها ولم يجرؤ –كما يقول- على سؤالهم عنها عندما وجد نفسه أمام تهمة الإرهاب.
في المنفردة التقى عناد بالعديد من المعتقلين وأحدهم اعتُقل وهو في طريقه إلى تركيا ليرى إخوته الذين لم يرهم منذ خمس سنوات فتم اتهامه للمفارقة بالعمالة للمخابرات الإيرانية حيناً ومخابرات الأسد وتنظيم “الدولة” أحياناً أخرى.
وأكد محدثنا أن السجن الذي اعتقل فيه يقع في أحد جبال منطقة “راجو” الكردية ويُدعى أيضاً بالفرع (254)، وهو ما أعاد لذاكرته أسماء فروع الأمن السورية، وبعد 7 أيام من اعتقاله تم اقتياده مغمض العينين للتحقيق مجدداً وكشف عناد أن المحققين هذه المرة حاولوا إظهار أنفسهم كديمقراطيين وإنسانيين يحترمون الإنسان، حيث أجلسه أحدهم على كرسي أمامه ونزع الطماشة عن عينيه وأعطاه سيجارة وكان في غرفة التحقيق –كما يروي عناد- حائطا من الزجاج الأسود “فيميه” وخلفه غرفة أخرى، وهناك بادره أحد المحققين باتهامه بالإرهاب وبأنه كان من مسلحي “داريا”، وعندما أنكر ذلك صفعه بقوة على خده، فاختل توازنه وتهاوى على الأرض.
وأردف المعتقل السابق أن المحقق طلب منه أن يسرد له سيرة نشاطه في المظاهرات التي شارك بها ضد النظام، وكان يسجل كل كلامه على جواله الشخصي.
وأعيد “عناد” بعدها إلى الزنزانة التي يصفها بالمكان الضيق والمظلم الذي لا تدخله الشمس، وكان طعام نزلائها عبارة عن قطعة خبز صغيرة وصحن من البرغل أو الشوربة سيئة الطعم مرتين فقط في الصباح والمساء.
وكان لدى كل معتقل–كما يقول محدثنا- زجاجة للماء وأخرى فارغة للتبول، مشيراً إلى أنه عانى كثيراً بسبب إجرائه لعملية إزالة بحصة أسفل الحالب قبل اعتقاله بشهر ونصف، فبدأ بالطرق على باب الزنزانة بقوة وعندما جاء السجان اراه –كما يقول- زجاجة البول التي كانت ممتلئة بالدم وهدد بشنق نفسه ببنطاله أو كم قميصه إن لم يتم علاجه أو إخراجه وحينها -كما يقول- “أحضروا لي طبيباً اكتفى بإعطائي حبوب التهاب ومسكنات حتى ارتحت قليلاً من الألم”.
وفي اليوم التالي تم نقل ابن “كفر سوسة” إلى مهجع أطلق عليه الرقم 4 ولم يكن الوضع داخله أفضل حالاً من زنزانته السابقة، إذ كان المهجع -كما يؤكد- يضم عدداً كبيراً من الشبان المعتقلين مكوّمين في غرفة لا تتجاوز مساحتها الـ 10× 5 وكان نزلاؤه البالغ عددهم 68 تراوح أعمارهم بين 16 و55 سنة اعتقل أكثرهم في طريقهم لرؤية أهاليهم في ادلب وحُكم على بعضهم بـ20 سنة دون تهمة.
ولفت محدثنا إلى أن السجن الأسود في “عفرين” يضم 7 مهاجع تضم بدورها حوالي 800 إلى 1000 معتقل وكانت تجري بين الفينة والآخر عمليات مبادلة، فيتم الإفراج عن 100 مثلاً، ولكنهم يقومون مقابل ذلك باعتقال 200 شاب جدد بدلاً عنهم وأغلب الشبان يتم اعتقالهم أثناء انتقالهم من بلدة “دار عزة” في الريف الغربي لحلب باتجاه “اعزاز” في الريف الشمالي.
ولفت محدثنا إلى أن عناصر “آسايش” يستخدمون الخديعة في الإيقاع بهؤلاء الشبان موهمين إياهم بالأمان وبأنهم يقاتلون إلى جانب الجيش الحر ضد نظام الأسد، ثم لا يلبثون أن يعتقلوهم ويضعوهم في سجن يُدعى “المغارة” دون تهمة محددة، حيث يتعرضون هناك إلى أشد أنواع التعذيب ومنها هرس أصابعهم بواسطة كماشة.
ولفت عناد إلى أن “أغلب من يتم اعتقالهم ينتمون إلى الفصائل المعتدلة كـ”أحرار الشام” و”الجبهة الشامية” و”فصيل الحمزات” الذي تدعمه الولايات المتحدة يعتقل الأكراد أكثر من 150 من عناصره، وكذلك “الجبهة الشامية” المعروفة بقتالها لتنظيم الدولة وعدم وجود ميول إسلامية لديها هناك أكثر من 200 معتقل من عناصرها لدى الأكراد”.
وختم محدثنا كلامه متسائلاً عن مغزى دعم أكثر من 30 دولة تدعي حقوق الإنسان وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية للانفصاليين الأكراد لإنشاء دولة لهم على الاراضي السورية، فيما تمارس قواهم العسكرية أبشع أنواع التعذيب والاعتقال بحق عناصر الفصائل المعتدلة، أم أن لحقوق الانسان -كما يقول- مكانا وزمانا محددين.
- نقلاً عن: زمان الوصل
عذراً التعليقات مغلقة