سليم قباني – حرية برس
نشطت في السنوات الأخيرة بعد اندلاع الثورة السورية العديد من مراكز الأبحاث المهتمة في الشأن السوري، والتي تعمل على دراسة ومتابعة المستجدات السياسية والعسكرية، بعد أن كان عمل مثل هذه المراكز محظوراً في السابق بسبب النظام الأمني الاستبدادي. ما هي أهمية مراكز البحث وهل لديها فعلاً القدرة على التأثير لدى صانعي القرار؟
حرية برس التقت مدير مركز جسور للدراسات الأستاذ محمد سرميني للتعرف أكثر حول عمل مراكز البحث والدراسات، ودار الحوار التالي:
كيف جاءت فكرة تأسيس مركز جسور للدراسات في ظل وجود عشرات مراكز الأبحاث؟
بعد تجربتي بالعمل خلال الثورة منذ أكثر من خمس سنوات مع مؤسسات رسمية ومراكز معارضة حرة، شعرت بوجود فجوة يمكن تغطيتها من خلال مركز للدراسات، وكانت الفجوة متجلية بمعرفة ما يريده الناس وما هو رأيها بما يجري على أرض الواقع، وهذا يحتاج لصناع قرار، ولعل أهم ما يحتاجه صناع القرار هو معرفتهم للمعلومات الدقيقة والتي كانت غير موجودة لديهم، فكان صناع القرار لدينا قراراتهم عبارة عن ردود أفعال وليست مبنية على دراسة وتحليل.
من جانب آخر الكثير منا يعلم أن سوريا تحولت لساحة صراع دولي وإقليمي وكل دولة سواء كانت إقليمية أو دولية لديها ربما رؤية أو أجندة ومصالح خاصة بها، فيما لا توجد رؤية سورية، كنا حريصين من خلال شبكة العلاقات الكبيرة التي لدينا على أن نصل لصناع القرار الدوليين والإقليميين، ربما لن نؤثر على قراراتهم أو نغيرها لكن علينا أن نوصل الصوت السوري لهؤلاء لذلك اخترنا اسم جسور، وغايتنا بناء جسور تواصل بين المجتمع المحلي وصناع القرار الدوليين وجسور تواصل بين المجتمع السوري والمجتمع الدولي.
هل هناك دراسات معينة يختص بها مركز جسور؟
يملك المركز مجموعة منتجات هي عبارة عن دراسات تقدير موقف لأحداث معينة حدثت خلال الفترات السابقة، وهناك دراسات عن أحداث سياسية إلى جانب العسكرية بحكم أننا نعيش حالة حرب .
لكننا قررنا ببداية فتح جسور تأسيس وحدة الحركات الدينية المتخصصة في دراسة الحركات الدينية وتأثيرها وطريقة تفكيرها وكيفية التعامل معها حالياً وفي المستقبل.
هل لديكم رؤية مستقبلية بهذا الخصوص بالنسبة لسوريا ما بعد سقوط النظام؟
ما قبل الثورة كانت مراكز الدراسات شبيهة بوسائل الاعلام هي مناخ للتفكير داخل الصندوق والإطار الرسمي، فيما لم يكن من المتاح سابقاً للسوريين أن يقوموا بتأسيس مركز دراسات اإا من خلال منظومة الدولة أو النظام أو حتى من خلال الأجهزة الأمنية .
عندما بدأت الثورة بدأت الحاجة لمراكز دراسات وكانت هناك عدة مبادرات لإنشاء مراكز، والحقيقة أن جميع المراكز التي تأسست كانت تقوم بجهد مميز بكشف الكثير من القضايا وتسليط الضوء عليها وقراءتها بقراءة مختلفة، لكن لا أخفيك هناك مشكلة هي أن يكون لديك باحثين مختصين، لا شك أن سوريا تملك العديد لكنهم موجودون في أماكن متفرقة خارج الاطار السوري ونحن بحاجة إليهم.
لذلك ومن قرابة شهرين أقمنا دورة إعداد باحثين الهدف منها استهداف الباحثين الشباب وتنمية مهارتهم، لأنه من غير الممكن أن تقدم صانع القرار بطريقة غير حرفية وغير مهنية وهذا ما ركزنا عليه بشكل أو بآخر.
هل تعتقد أن مركز جسور للدراسات ذو خط خاص ورؤية خاصة في ظل وجود الكثير من المراكز؟
نتمنى أن نتميز ببعض الفعاليات والأنشطة والمشاركات، من خلال بعض الدراسات والقراءات التي نقدمها وبعض التصورات الجغرافية والخرائط التي نقوم بها، نحن وضعنا نصب أعيننا في المرحلة الحالية أن يكون دورنا مع باقي زملائنا من المراكز دور تكاملي، لأن سوريا شأن ملتهب وهناك دائماً مستجدات، ولا يكفي وجود مركز واحد أو عدة مراكز لسد الثغرة، لكن ربما كانت السنة الأولى لنا هي سنة تجريبية إن صحت التسمية، كان لدينا خطة استطعنا أن نحقق أضعاف ما خططنا له، وبالتأكيد لدينا خطة للعام المقبل لأن نكون أكثر تميزاً وعطاء.
ما تأثير منع النظام وجود مركز أبحاث قبل الثورة على المجتمع؟
مراكز الأبحاث هي مصانع الأفكار وربما هي التي تولد الحلول الابداعية، لم يكن النظام يريد للشعب أن يكون خارج الصندوق وخارج الاطار المرسوم للمجتمع، ووظيفة مراكز الأبحاث تلسيط الضوء على المشاكل وتقديم مقترحات للحل، لكن كما تعلم النظام لم يكن لديه رغبة بإيجاد الحلول بل العكس يريد للمجتمع أن يغرق وأن يزداد جهله كي يحكم قبضته الاستبدادية عليه. أتوقع أن جزءاً من الإشكال موجود ليس فقط في سوريا بل في منطقتنا بشكل عام، في ظل أنظمة ما قبل الثورات، لذلك النظام كان لديه خط أحمر حول انشاء مراكز دراسات وأبحاث.
في ظل شح الباحثين السوريين العاملين في الشأن السوري خاصة، هل تمكن مركز جسور من استقطاب بعض الباحثين؟
لدينا إشكال لا يزال قائماً ونقوم بمعالجته، هناك نواة لشخصيات سورية شابة لديها المهارة التي تحتاج إلى تطوير وتدريب وربما تعليم في موضوع البحث العلمي والبحث العلمي السياسي التخصصي. ومن المهم أن نذكر ايضاً أن الدراسات والابحاث لا تتم من خلال الشخص الموسوعي المثقف إنما شخص باحث متخصص في المجال السياسي، حتى هذه اللحظة ما زلنا نواجه مشكلة في ايجاد هؤلاء الباحثين المتخصصين، وفقنا ببعض الزملاء ممن لديهم خبرة تزيد عن 15 عاماً وهم الآن العمود الفقري للمركز من حيث الدراسات، لكننا نبحث عن مزيد من الباحثين بشكل مستمر ونقوم بنفس الوقت بتطوير وتأهيل المزيد من الباحثين الشباب.
ما هي مصادر المعلومات المعتمدة لمراكز الأبحاث السورية اليوم ؟
نحن نستقي كثيراً من المعلومات عن طريق وسائل الاعلام، ربما وسائل الاعلام لا تتعمد نقل المعلومة الخاطئة إلا أننا لا نستطيع أن نعتمد عليها بشكل كامل لذلك نعمل على إيجاد مصادر حقيقية للمعلومات نستطيع من خلالها تقدير المواقف وتقديم دراسات بشكل دقيق.
ما هي خطة مركز جسور للدراسات للسنوات القادمة ؟
لدينا توجه في العام القادم لموضوع استطلاعات الرأي، الهدف منها هو رفد رأي الشارع ورأي الناس في كثير من القضايا الحساسة، والتي ربما كثير منا كسياسيين أو عسكريين أو قادو الصف الأول وصناع القرار لا يرتكزون عليها في مواقفهم من خلال بيانات رسمية تؤيد معظم مواقفهم أو تخالفها، وهي في غاية الأهمية ونسعى للعمل عليها في العام القادم من خلال إطلاق مبادرات هدفها تقديم آراء وحلول لمشاكل كبرى موجودة في سوريا.
أطلقنا أيضا خلال الفترة الماضية مبادرة تحمل اسم “مبادرة جسور للحوار”، الهدف منها خلق نوع من أنواع الحوار بين مكونات المجتمع السوري وايجاد نقاط الالتقاء وإزالة نقاط الخلاف، وبدأنا فيها من خلال أخوتنا الكرد والعشائر العربية وكان هناك حوار بناء، وسنبقى مستمرين في هذه اللقاءات بين مختلف مكونات الشعب السوري، سواء كانت الاختلافات بينهم أيدلوجية أو طائفية أو أثنية، الهدف هو توسعة مساحة الحوار بين السوريين وهذا شيء سيكون له أثر إيجابي.
كنصيحة لي ولزملائي في هذا المجال أن نحرص بشكل فعال على أن يكون كل ما نقوم به مدروس بشكل دقيق لتكون النتائج أقرب إلى الصحة، كما هي نصيحتي لصانع القرار بأنه كلما اعتمد بقراراته على دراسات وأبحاث وآراء ورأى الامور بأكثر من زاوية سيساعده ذلك على بناء واتخاذ القرار الصائب.
عذراً التعليقات مغلقة