- أحمد أبازيد
إن علينا أن نصرّ على حقنا بالفرح، يريد لنا الأعداء أن تلتهمنا المأساة وألا يكون لنا صورة سواها، وأن تحاصرنا الفجيعة من الداخل، وأن يغطوا قضية الثورة وأهدافها وأمجادها تحت رماد الموت، الفرح مقاومة، وهذا كان درس المظاهرات الثورية وأهازيجها أمام الرصاص أو وسط المجازر.
“آويها.. شفت عامر عم يدك بارودة *** شب أسمراني والنخلة على زنوده
جودوا علينا يا أهل الحمى جودوا *** تفاحنا سكري ومسكي على عودو”
أقول دوماً إن القضايا التي لا ترويها أغاني الأعراس أو أغاني الأم لابنها في المهد، ليست قضايا معدة للتجذر في المجتمع الراهن أو للتعمير والتوريث في الجيل القادم. وكان هذا من مظاهر بقاء جذوة الثورة الفلسطينية، ولعله من أوجه النقص في الثورة السورية -في الفترة الأخيرة- رغم زخم المظاهرات والهتافات والأغاني الثورية الأولى والتي انتشرت في كل العالم وأصبحت حاضرة وملهمة لأي مظاهرة ستخرج في أي بلد ولأي قضية.
ولعل هذا النقص يظهر خاصة خارج الحواضن الثورية الأولى، والتي كان لديها موروث حربي سابق في ثقافتها وأغانيها المحلية، مثل درعا ودوما ودير الزور، ولعله أيضاً من مظاهر أزمة النخب والمواهب في علاقتهم بالحراك الثوري، وتحتاج أي ثورة وقضية إلى فنّ وأدب وقصائد تمثلها وتعبر عنها، ولا تُفرض عليها من خارجها، وإنما تُخلق -كأي فعل ثوري- من قلب الحلم والنضال والمعاناة، لتمثل روح الثورة حقاً.
قد تهيمن صورة المأساة والمذبحة على سوريا، والصورة أقلّ من هول الحقيقة، لا تنقل الصورة الساكنة لمن يراها صوت الصرخات الأخيرة لرجل أو امرأة أو طفل تحت الأنقاض قبل أن تخفت وأنت واقف تسمعها عاجزاً، ولا تنقل لك الجمال المقدس لطفلة تحملها يدا المسعف مليئة بالغبار والدم وأنت تلاحقها بعينك ولا تعرف هل ستعيش أم ستدفن تحت التراب، ولا تنقل لك أي معنى من أن تفقد رفيق الثورة والدم منذ سنوات هكذا في ثانية واحدة.
ولكن هذه الصورة ليست كل هذا الواقع، نحن نعرف المأساة ونعيشها يومياً وكل ساعة أكثر ممن يراها ساكنة في الصور، ولكننا ذاتنا من نعيش في وسطها نعرف الفرح والسخرية والضحك أكثر ممن يعيش بعيداً عنها، ونعرف معنى الموت ولكننا نعرف قيمة الحياة وتفاصيلها الصغيرة أكثر، لأننا قد نفقدها فجأة بعد لحظة أو لحظتين.
إن هؤلاء البشر العاديين الذين قاموا واستمروا بثورة غير عادية قلبت وجه العالم، والذين عاشوا ويعيشون في هذه اللحظة من التاريخ على هذه الأرض وسط هذا الخراب والدم ويقاومون ويقدمون أرواحهم كل يوم فداءً لقضيتهم وحريتهم، من حقهم أن يفرحوا ويحبوا ويعيشوا أيضاً، بل هذا حقهم أكثر من أي أحد سواهم، وعلى السوريين عامة أن يدافعوا عن حقهم بالفرح.
مبارك لشباب داريا، طيلة سنوات أحببناهم وفرحنا وبكينا واحتفلنا معهم، دون أن يلتقي كثيرون منا أحداً منهم، كما أحببنا قبلهم شباب حمص وأحرار كل مدينة حملوا معنا راية الثورة وغنوا وصمدوا وقاتلوا للحرية والكرامة والحياة. وهنيئاً لنا بهذه الثورة، عيدنا الكبير واحتفالنا الدائم وسعادتنا العظيمة، وعائلتنا التي لا تنفد ولا تهون.
- مدونات الجزيرة
عذراً التعليقات مغلقة