العملة السوريّة الجديدة.. الحاجة إلى ضبط التوقّعات والمخاوف

حمزة المصطفى30 ديسمبر 2025آخر تحديث :
العملة السوريّة الجديدة.. الحاجة إلى ضبط التوقّعات والمخاوف

يأتي طرح العملة السورية الجديدة بعد إطلاقها أمس في احتفال رسميّ رعاه فخامة الرئيس أحمد الشرع، كخطوة مفصلية في مسار إدارة القطّاع المصرفيّ والشأن النقديّ، لكنّها في الوقت ذاته خطوة محاطة بكثير من الأسئلة والتوقّعات.

ولعلّ أول ما ينبغي التوقّف عنده هو تصحيح الصورة الذهنية حول معنى استبدال العملة وحدوده، حتّى لا يتحوّل حدث تقنيّ وتنظيميّ في جوهره إلى مصدر هلع أو أوهام غير واقعية، وقد خصّص فخامة الرئيس حصّة معتبرة من مداخلته لشرح بعضها.

استبدال العملة لا يعني أبداً إعلان وفاة فورية للعملة القديمة، ولا يستهدف دفع المواطنين إلى التخلّص منها بسرعة أو بأيّ ثمن حتّى وإن تضّمنت صوراً تذكرهم بزمن الاستبداد وأوجاعه الثقيلة.

حاكم مصرف سوريا المركزي الدكتور عبد القادر حصرية أوضح بشكل لا لُبس فيه أن الليرة القديمة ما زالت صالحة للتداول، وأنّ عملية الاستبدال ستكون تدريجيةً وبهوامش زمنيّة مريحة حدّدها بثلاثة أشهر قابلة للتجديد، فترة تسمح للسوق وللناس بالتكيّف الهادئ مع الواقع الجديد.

الاندفاع لبيع العملة القديمة بأقلّ من قيمتها الحقيقية، أو تحويل المدّخرات عشوائياً إلى الدولار تحت ضغط الشائعات، لا يعكس حرصاً مالياً بقدر ما يعكس انفعالاً قد يضرّ بصاحبه قبل أن يضرّ بالاقتصاد كلّه.

في المقابل، لا يجوز تصوير العملة الجديدة بوصفها عصاً سحريّة قادرة بمفردها على حلّ مشكلات الاقتصاد، فالقوّة الشرائيّة للمواطن لن ترتفع فجأة لمجرّد تغيّر شكل الأوراق النقديّة، وسعر الصرف لن يتحسّن آلياً لأنّ فئات جديدة دخلت السوق.

ما يمكن توقّعه على المدى المباشر هو تسهيل وخدمة التّداول النقديّ: تخفيف مشاكل تلف الأوراق وانعدام ملاءمتها، تقليل تكاليف النقل والتخزين، وتبسيط التسويات اليوميّة بالليرة السورية، أمّا معالجة التضّخم، وخلق فرص العمل، وتحسين مستوى المعيشة، فتبقى رهناً بسياسات إنتاجٍ وتنميةٍ وإصلاحٍ ماليٍّ أوسع من أيّ خطوة نقديّة منفردة.

مع ذلك، لا يخلو طرح العملة الجديدة من بُعد رمزيّ ومعنويّ مهم، فالانتقال إلى ليرة جديدة يُتيح فرصةً لتجاوز رمزيّة مرحلة طويلة ارتبطت فيها العملة القديمة بأزمات ومعاناة وتراجع في القيمة والثقة.

هذه الخطوة يمكن أن تشكّل مدخلاً لإعادة بناء الثقة بالاقتصاد والقطّاع المصرفيّ، إذا ما رافقها إصلاح جديّ يُعيد للمصارف دورها الطبيعي في تمويل النشاط الاقتصادي وخدمة الأفراد والشركات، ويستفيد من ميّزة أساسية يملكها الاقتصاد السوريّ اليوم، وهي غياب الديون الخارجية المثقلة التي تكبّل القرار الوطني.

لكنّ الوجه الأكثر حساسية في هذا التحوّل يبقى في آثاره على العلاقات بين الناس: الديون، العقود، الإيجارات، المهور، والالتزامات المتبادلة. هنا لا يكفي الحلّ الإداريّ أو المحاسبيّ الذي يُمكن للدولة أن تعتمده في سجلاتها، بل تبرز الحاجة إلى مرجعيّة شرعيّة واضحة تضع قواعد عادلة للتعامل مع الديون والعقود السابقة في ضوء استبدال العملة.

ضمن هذا السياق جاءت خطوة مجلس الإفتاء بإصدار فتوى شرعية ملزِمة لتحديد كيفيّة السداد والاحتساب والتكافؤ بين القديمة والجديدة، لقطع الطريق على الاستغلال وسوء الفهم وتخفيف الكثير من احتمالات النزاعات مستقبلاً.

ما يحتاجه المواطن السوري اليوم، في لحظة طرح العملة الجديدة، هو قدر من الهدوء والعقلانيّة.. لا هلع يدفعه إلى التفريط بمدّخراته، ولا أحلام مبالغ فيها تنتظر انتعاشةً فوريّة.

العملة الجديدة خطوة تقنية لها أبعاد وطنيّة واجتماعيّة، وقد تتحوّل إلى بداية مسار تعافٍ أوسع إذا أحسن الجميع، دولةً ومؤسسات ومواطنين، التعامل معها بوصفها أداة لتنظيم السوق وتعزيز الثقة، لا سبباً لصناعة الخوف أو بيع الأوهام.

المصدر الثورة السورية

اترك رد

عاجل