إدارة التنافس في صفوف المعسكر الواحد

مروان قبلان12 نوفمبر 2025آخر تحديث :
إدارة التنافس في صفوف المعسكر الواحد

شكلت زيارة الرئيس أحمد الشرع واشنطن، وانضمام سورية الوشيك إلى “التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب”، ذروة تحوّلات عميقة، خلطت بشدة تحالفات المنطقة واصطفافاتها، منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2023، ولم تتبلور بصورتها النهائية بعد، وإن كانت إدارة الرئيس ترامب تأمل الفراغ من رسمها، بحلول نهاية ولايتها عام 2029. تمثلت نقطة الانعطاف الرئيسة، طبعاً، في السقوط المدوي لنظام بشّار الأسد، وانتقال سورية من المعسكر الروسي- الإيراني (ضعُف بشدّة، وإن لم يخرج نهائيّاً من المنافسة) إلى المعسكر الأميركي- التركي- السعودي. بانكفاء إيران، وروسيا، باتت المنافسة تتركّز ضمن صفوف المعسكر الواحد، الذي تقوده الولايات المتحدة، وقد تحوّل دورها إلى ضابط إيقاع في الصراع الذي يحتدم بين حلفائها على النفوذ والموارد في المنطقة الممتدة بين العراق والقرن الأفريقي، مروراً بسورية واليمن وحتى السودان وليبيا. في العراق، تبقى إيران، رغم ضعفها الظاهر، لاعباً رئيساً، لكن نفوذ تركيا يتنامى بسرعة، في مقابلها، خصوصاً في الشمال والوسط (مناطق الأكراد والعرب السنة)، وبعد فرضها اتفاقية “النفط مقابل الماء” على حكومة محمد شيّاع السوداني في بغداد، فيما تجهد دول الخليج أيضاً للحصول على موطئ قدم، عبر مشاريع استثمارية كبرى، أبرزها حالياً مشروع “طريق التنمية”، الذي يربط الخليج بأوروبا.

في سورية، التي تبدو كواسطة العقد، والجائزة الكبرى، في صراع إقليمي مرير، يحتدم التنافس بين تركيا وإسرائيل والسعودية، مع حضور للدورَين الإماراتي والقطري. وفيما تتنافس السعودية وتركيا على موقع الراعي الرئيس لحكومة أحمد الشرع، تعمل إسرائيل على إلزامها بشروطها، بعد أن نجحت ضغوط واشنطن، على ما يبدو، في دفعها للقبول بها خشية أن يكون البديل هو “داعش وأخواتها”، أو، ربما، الفوضى. أما الإمارات، ورغم أنها لا تتخذ موقفاً عدائيّاً واضحاً من حكومة الشرع، حتى الآن، أقله، بيد أنها ماضية في تطوير علاقاتها مع مناطق شرق الفرات، وكذلك في الساحل والسويداء، حيث يتزايد نفوذها بصورة ملحوظة هناك. يحدُث هذا فيما تتزايد المخاوف في دمشق من ظهور تحالف يجمع القوى الرافضة حكم الشرع في مناطق شرق الفرات، تقوده قوات سوريا الديمقراطية (قسد). وفيما تشارك مصر الإمارات تحفظاتها تجاه الحكم السوري الجديد (لأسباب مرتبطة خصوصاً بتوجهاته الأيديولوجية، وعلاقاته المتنامية مع تركيا) إلّا أننا نرى، في المقابل، اتساعاً في هوة المواقف بين القاهرة وأبوظبي بشأن عديد من قضايا المنطقة، ونزاعاتها، تبدأ في غزّة والسودان، وتمتد إلى القرن الأفريقي، والعلاقة مع إثيوبيا، التي أنجزت سد النهضة متجاهلة كليّاً مصالح مصر المائية، وتطمح للحصول على منفذ على البحر الأحمر (بدعم إماراتي)، ما يعزّز صعودها قوةً إقليمية كبرى في شرق أفريقيا ومنطقة القرن. وفيما تتفق تركيا ومصر وقطر والسعودية على دعم الجيش في السودان، تدعم الإمارات، إلى جانب إسرائيل وإثيوبيا، قوات الدعم السريع، في اصطفاف جديد يتوقع أن يطاول تأثيره كامل منطقة القرن الأفريقي، وصولاً إلى اليمن، وكل إقليم البحر الأحمر. ومع أن مصر تتجه إلى بناء تحالف، يجمعها إلى إرتيريا والصومال وحكومة عبد الفتاح البرهان في السودان، لمواجهة النفوذ الإثيوبي المتصاعد في المنطقة، إلّا أنها تبقى متوجّسة من اللاعب التركي الذي يحاول ربط قوى المنطقة كلها، رغم تناقضاتها، به.

فوق ذلك، تبدي مصر تحفّظاً إزاء الدور التركي في غزّة، وعدم ارتياح لمحاولاتها المشاركة في ترتيبات اليوم التالي، رغم أن تركيا كانت جزءاً من التفاهم الرباعي الذي جرى توقيعه في شرم الشيخ إلى جانب الولايات المتحدة وقطر ومصر، وأدّى إلى وقف الحرب على غزّة. كما تختلف مصر بشدة مع تركيا في سورية، وما زالت مصالح الطرفين في حالة تناقض في ليبيا، رغم محاولات التقارب التي حصلت بينهما أخيراً. دخول مصر على خط الأزمة في لبنان يعطي انطباعاً برغبتها، أيضاً، في منع تركيا من استكمال وراثة النفوذ الإيراني في لبنان، بعد أن ورثته في سورية، على اعتبار أنّ “من يرث سورية يرث لبنان معها”. وهذا لا يعني قطعاً أن مصر قد تخلت عن تردّدها بشأن استعادة دورها الإقليمي الذي غاب عقوداً عن الساحة، لكنه يكشف عن تدافع رهيب بين حلفاء واشنطن على الموارد والنفوذ، وعلى الفوز بمكانة الوكيل الإقليمي الرئيس لها، فيما هي تنهمك بترتيب أوضاع المنطقة في طريقها للتفرّغ لصراعها الكبير مع الصين.

أين مصالح شعوب المنطقة، وموقفها من هذا كلّه؟ الشعوب وحدها من تملك الإجابة، وتقرّر متى تصرخ بها، وتحدّد، تبعاً لذلك، الشكل النهائي للصورة التي يحاول ساكن البيت الأبيض رسمها للمنطقة.

المصدر العربي الجديد

اترك رد

عاجل