الجسم الغريب: كيف زرع الغرب إسرائيل لفرض هيمنته في المنطقة

فريق التحرير 315 سبتمبر 2025آخر تحديث :
الجسم الغريب: كيف زرع الغرب إسرائيل لفرض هيمنته في المنطقة

في عام 1907، اجتمعت القوى الاستعمارية الأوروبية في لندن برئاسة رئيس الوزراء البريطاني هنري كامبل بانرمان، لمناقشة مستقبل المنطقة العربية عقب أفول الدولة العثمانية.

وفي تلك المداولات، برز تصريح شهير منسوب إلى بانرمان: “يتعين علينا أن نضع في هذه المنطقة، وعلى مقربة من قناة السويس، قوة معادية لأهل البلد وصديقة للدول الأوروبية. على هذا الجسم أن يعتمد على الغرب لبقائه، وأن يكون ما حوله ضعيفًا.”

قد يبدو هذا التصريح وكأنه مقطع من رواية سياسية، لكنه في جوهره يلخص رؤية استراتيجية غربية امتدت على مدى قرن ونيّف.

فالموقع العربي، بامتداده الجغرافي من المحيط إلى الخليج، كان ولا يزال يشكل الجسر الذي يصل آسيا بأفريقيا وأوروبا، والممر الذي يحكم التجارة الدولية والطريق إلى المستعمرات.

ومن هنا، كان لا بد للقوى الأوروبية من ضمان استمرار هيمنتها عبر زرع “جسم غريب” يقطع هذا التواصل الطبيعي ويمنع أي مشروع نهضوي عربي من التبلور.

إسرائيل كترجمة للرؤية الاستعمارية:

لم تمض سنوات طويلة حتى تُرجمت تلك الرؤية عمليًا عبر وعد بلفور 1917، الذي فتح الباب أمام إقامة “وطن قومي لليهود” في فلسطين.

هذا الوطن لم يكن مجرد استجابة لرغبات صهيونية دينية أو إنسانية كما يُسوَّق، بل جاء بالأساس ليكون حاجزًا استراتيجيًا يفصل المشرق العربي عن مغربه، ويمثل قاعدة متقدمة للمصالح الغربية.

ولعل قراءة الأحداث تثبت أن إسرائيل لعبت الدور المطلوب منها بدقة:

جسم غريب مزروع بالقوة العسكرية في قلب المنطقة.

يعتمد في بقائه على دعم سياسي واقتصادي وعسكري غربي لا محدود.

يعيش في حالة عداء بنيوي مع محيطه العربي والإسلامي.

يضمن بقاء محيطه ضعيفًا ومفتتًا، بما يخدم استمرار النفوذ الغربي.

الخوف من النهضة العربية:

في خلفية مذكرة بانرمان كان هناك قلق أوروبي واضح: ماذا لو توحد العرب والمسلمون في كيان حديث قادر على استثمار ثرواته وموقعه الاستراتيجي؟ الجواب الأوروبي كان واضحًا: يجب الحيلولة دون ذلك عبر تجزئة المنطقة، وزرع كيان غريب، وإبقاء الدول المحيطة به في حالة ضعف دائم.

بين الأمس واليوم:

سواءً كانت المذكرة نصًا رسميًا محفوظًا في الأرشيف أو مجرد تلخيص فكري للسياسات الاستعمارية، فإن الواقع التاريخي والسياسي يثبت صحتها.

لقد تحقق المشروع كما رُسم: زرع كيان غريب، يعتمد على الغرب، ويتغذى على ضعف محيطه.

إسرائيل وجنون التوسع اليوم:

ما يزيد من دقة ما ورد في مذكرة بانرمان قبل أكثر من قرن، هو السلوك الإسرائيلي الراهن.

فإسرائيل لم تعد تكتفي بالتمدد داخل فلسطين التاريخية، بل باتت تعيش حالة جنون توسعي تجاه محيطها العربي، عبر اعتداءات متكررة على سوريا ولبنان، واستباحة أجواء العراق أحيانًا والتعدي على دولة قطر، والتدخل غير المباشر في البحر الأحمر والخليج.

هذه النزعة العدوانية ليست مجرد قرارات آنية، بل تعبير عن جوهر المشروع نفسه: أن يبقى “الجسم الغريب” دائم الحركة والتهديد، وأن يذكّر محيطه العربي بضعفه وانقسامه.

بهذا المعنى، فإن كل قصف أو عدوان إسرائيلي في المنطقة هو استمرار عملي لروح مذكرة بانرمان: كيان مزروع، يعتمد على الغرب، ويحيا على إضعاف ما حوله.

خاتمة:

مذكرة بانرمان ليست مجرد وثيقة تاريخية، بل هي خطة استراتيجية ما زالت آثارها ماثلة أمامنا. لقد قامت إسرائيل على أنقاض فلسطين لتكون أداة الغرب في المنطقة، وما زالت حتى اليوم تمثل “الجسم الغريب” الذي حلم بانرمان بزرعه قبل أكثر من قرن.

والسؤال الذي يبقى مفتوحًا: هل يستمر العرب في العيش أسرى لهذه الخطة، أم يحولون ضعفهم إلى فرصة لكسر الحلقة التاريخية المفروضة عليهم؟

اترك رد

عاجل