الباحث القانوني السوري عبد العال الجاسم
شهد الوضع في سوريا منذ عام 2011 العديد من المناقشات حول طريقة محاسبة مرتكبي الجرائم الدولية إثر استخدام نظام الأسد الأسلحة ضد المتظاهرين المدنيين.
نظام روما الأساسي، الذي هو اتفاقية تأسيس المحكمة الجنائية الدولية، يلعب دورًا مركزيًا في إرساء العدالة للانتقال بسورية الى مرحلة جديدة.
ولكن سوريا ليست دولة طرفًا في نظام روما الأساسي، ولا يمكن للمحكمة أن تمارس ولايتها القضائية إلا إذا قام مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بإحالة الملف السوري إلى المحكمة، أو إذا أصدرت سوريا إعلانًا رسميًا بقبول ولاية المحكمة وفقًا للمادة 12(3) من نظام روما الأساسي[1].
يمكن استخدام عدة طرق بديلة لمحاسبة مجرمي الحرب في سوريا، على الرغم من التحديات الحالية التي تواجهها الحكومة المؤقتة لإعادة فرض الأمن الداخلي والحفاظ على مؤسسات وممتلكات الدولة، ولكن تعتبر المحكمة الجنائية الدولية المؤسسة القضائية الأكثر تخصصًا للمعاقبة على هذه الجرائم بعد خبرة دامت ٢٢ سنة[2].
في الواقع المبدأ الأساسي لعمل المحكمة الجنائية الدولية هو مبدأ التكامل، ولكننا نعتبر أن التعاون في هذا الصدد سوف يعطي للقرارات الصادرة عن القضاء الوطني موثوقية أكبر وسيساعد على احترام مبدأ المحاكمة العادلة وحياد القضاء. حيث إننا نلاحظ من الخطاب الاجتماعي السوري أن أهالي الضحايا تسعى إلى العدالة ولا تفكر في الانتقام، وبالتالي التصريح في هذا الوقت بقبول اختصاص المحكمة سوف يساعد على استقرار الوضع الأمني والاجتماعي.
إذاً، يخضع هذا التصريح للإرادة السياسية في الدرجة الأولى، ولكن إذا لم يتم قبول هذا التصوّر من قبل الحكومة المؤقتة يمكن اللجوء إلى خيار آخر، والأخير يعتمد على السوابق القضائية لمحكمة الجنايات الدولية نفسها، وذلك بالاعتماد على الاجتهاد الصادر عن الغرفة التمهيدية الأولى في حالة ميانمار[3]، والذي يسمح للمحكمة في ممارسة اختصاصها في الحالة السورية بناء على شكوى تقدمها المملكة الأردنية، وذلك لما تسبب به النظام السوري السابق من جرائم تخطت الحدود، بما في ذلك شهادات المعتقلين الأردنيين الذين تم إخلاء سبيلهم مؤخرًا بواسطة قيادة العمليات العسكرية، حيث إن المملكة الأردنية هي عضو في نظام روما الأساسي.
والطريقة البديلة الأخرى، والتي تواجه أيضًا تحديات قانونية، هي إنشاء محكمة خاصة بناء على قرار مجلس الأمن تحت الفصل السابع، ولكن قد تواجه هذه العملية فيتو روسي (صيني) كما واجهت جميع القرارات المقترحة على مدى ثلاثة عشرة عامًا لحل النزاع السوري تحت الفصل السابع. وكذلك يمكن إنشاء محكمة مختلطة بين الأمم المتحدة والحكومة السورية بموجب اتفاقية.
وأخيراً يبقى الخيار الأساسي وهو مقاضاة الجناة على المستوى الوطني، والذي أيضًا سيواجه تحديات في إمكانية تسليم المجرمين الذي هربوا من سوريا إلى دول الجوار.
إحدى أولى سبل الإنصاف المباشر للضحايا في سوريا هي تصريح الحكومة السورية المؤقتة بقبول ولاية المحكمة الجنائية الدولية، وذلك ريثما يتم انتخاب مجلس شعب جديد وتسمية حكومة تحظى بثقة المجلس، والتي سوف تخلفُ الحكومة المؤقتة، ليتم بعدها التصديق على نظام روما الأساسي وفقًا للقانون السوري واتخاذ الإجراءات القانونية وفقًا للدستور، ومن ثم القيام بإدماج نظام روما الأساسي في القانون الداخلي السوري.
الهدف الأساسي هو فتح المجال للتعاون والاستفادة من خبرات المحكمة الجنائية الدولية، لتبدأ بمساعدة القضاء الداخلي في مرحلة التحقيق وجمع الأدلة وتوثيقها، حيث سيتم الاستفادة من أدواتها في البحث عن الأدلة وحمايتها فضلاً عن حماية الشهود، ومن ثم البناء على ذلك لملاحقة المجرمين في كل الدول التي صادقت أو صرحت بقبول اختصاص المحكمة الجنائية الدولية.
وفي هذه المرحلة الحساسة من تاريخ سوريا، سيتم الاستفادة المباشرة من التصريح باختصاص المحكمة إلى البدء في الحرب القانونية (lawfaire) ضد الاحتلال الإسرائيلي للجولان المحتل، فضلاً عن الخروقات المستمرة للأراضي السورية وخرق القوانين والأعراف الدولية.
[1] Hedda Hedenskog, Folkrättsbrott i Syrien och Irak – En undersökning om lagföring, lup.lub.lu.se, published 2019.
[2]C. Sweeney, (2019). Accountability for Syria: Is the International Criminal Court now a realistic option?. Journal of International Criminal Justice, 17(5), 1083-1115.
[3] Ibid