أثارت وفاة المستشارة الإعلامية لبشار الأسد، لونا الشبل، الجمعة 5 يوليو/تموز الجاري، ضجة على وسائل التواصل الاجتماعي، بسبب الغموض وتضارب المعلومات حول أهمية دورها وحقيقة حادث السير الذي أعلنت عنه وكالة أنباء النظام الرسمية “سانا” في الثاني من الشهر الحالي.
إعلان الوفاة في مستشفى الشامي بالعاصمة السورية دمشق، أثار جدلًا حول احتمالية اغتيالها والجهة المستفيدة من انتهاء دورها في قصر الرئاسة الذي لُقبت فيه بـ”السيدة الثانية”، وذلك لورود معلومات عن اعتقال استخبارات نظام الأسد شقيقها العميد ملهم الشبل بتهمة التخابر مع دولة أجنبية على خلفية الهجوم الإسرائيلي على السفارة الإيرانية في دمشق مطلع أبريل/نيسان 2024.
وذكر “المرصد السوري لحقوق الإنسان” وموقع “تلفزيون سوريا” أن حادث السير سبقه منع زوجها عمار ساعاتي من السفر، والذي يملك مع لونا الشبل منتجعاً في مدينة سوتشي الروسية، تزامنًا مع معلومات حول تحجيم دور الشبل في القصر الجمهوري، منذ مايو/أيار الماضي، حيث استبعد، بشار الأسد، اسمها من قائمة “اللجنة المركزية” لـ”حزب البعث” مع آخرين من بينهم مستشارته بثينة شعبان ونائبه للشؤون الأمنية علي مملوك.
وفي ذات الشهر استبعد زوجها عمار ساعاتي من منصب رئيس مكتب الشباب في “القيادة المركزية” للحزب الحاكم، وذلك بسبب “انزعاج الإيرانيين من تسريبها محاضر جلسات بين بشار الأسد والقيادة السورية والإيرانيين لروسيا”، فضلًا عن قرار وزير التعليم العالي بنظام الأسد، بسام إبراهيم، إنهاء خدمات زوجها في بيان بتاريخ 23 يونيو/حزيران 2024. حسب المعلومات المتداولة.
أهمية دور لونا الشبل
تعد لونا الشبل من أهم أعمدة الإعلام بالنظام السوري، الذي استخدمها كواجهة لتبرير عمليات القتل ولإظهار نفسه بمظهر النظام العلماني المنفتح بعكس المعارضة السورية الموسومة بالتشدد، وقال الصحفي ضياء محمد، لـ”نون بوست”: إن النظام استفاد من خبرتها الإعلامية الطويلة وعلاقاتها الكبيرة التي أنشأتها خلال عملها في كبرى المحطات العربية “الجزيرة”، وهي كأسماء الأسد وجه أنثوي مناسب للتصدير للإعلام الغربي ولديها خبرة إعلامية تمكّنها من إظهار الثورة السورية كـ”حراك متشدّد”.
فيما رأى سمير سطوف، المنسق العام للتجمع الوطني السوري الموحد، أن الأهمية الخاصة للونا الشبل تنبع من دورها أمام مرجعيات ارتباطها المباشرة وغير المباشرة، فطواعيتها واستعدادها الكبير للتسلق وخدمة النظام دون أي رادع وطني أو إنساني أو أخلاقي، شجّع النظام على دفعها النسبي لصدارة المشهد، وأوضح لـ”نون بوست” أن تأثير غياب الشبل اقتصادياً “ضعيف” لأن الهيمنة على الاقتصاد حصرياً لأسماء الأسد، وتزامن اختفاء السيدتين (الأولى والثانية) يدل على أن هناك ترتيبات نوعية يجري الإعداد لها وتنفيذها.
فيما قلّل الباحث في الشأن الإيراني مصطفى النعيمي، من أهمية لونا الشبل، وقال لـ”نون بوست”: إن عملها كمستشارة بالشؤون الإعلامية والسياسية في القصر الجمهوري يأتي ضمن نطاق الأطر التنظيمية والتنفيذية وليست في أطر صنع القرار، وبالتالي لا أعتقد بأن وجودها من عدمه سيحقّق غايات لروسيا أو لإيران، لكن نظام الأسد يستفيد من وجودها في عملية إدارته للملفات السياسية والإعلامية خاصة أنها مستشارة خاصة للرئيس.
غموض وشكوك حول وفاتها.. وأصابع الاتهام لإيران
تحدث أحمد رمضان، رئيس حركة العمل الوطني من أجل سوريا، ومسؤول دائرة الاستشارات الاستراتيجية السابق في الائتلاف الوطني في صفحته على منصة إكس عن “مقتل لونا الشبل تحت التعذيب في سجون استخبارات فيلق قدس الإيراني، التي اعتقلتها في 20 مايو/ أيار الماضي، بتهمة ترؤس شبكة تجسس لصالح إسرائيل، وخضعت لتحقيق بإشراف العقيد حيدر غلام جلالي (حاج جلالي) المسؤول في استخبارات فيلق قدس، واللواء كفاح ملحم عن مكتب الأمن الوطني”. مشيراً إلى أنها اعتقلت مع شقيقها العميد ملهم الشبل، والعميد صافي ديب، والعقيد منهل سليمان والمقدم وهيب رجوب، وهم من ضباط الحرس الجمهوري.
وعن هذه الفرضية، اعتبر سمير سطوف أن رواية اعتقال لونا الشبل وعدد من الضباط من داخل القصر، ليست تسريبات، بل معلومات نظرًا لقرب أحمد رمضان من المحور الإيراني من قبل الثورة حيث كان يعمل في قطاع الإعلام في الضاحية الجنوبية في بيروت، وعلاقاته استمرت حتى ما بعد الثورة، مع الحذر من الرسائل التي يريد إيصالها لأن محور المقاومة لا يمده بالمعلومات مجانًا، فالمستفيد الأبرز من وفاة الشبل هو “نظام إيران الذي تجاوز في هيمنته حدود اللباقة الديبلوماسية والسياسية والأمنية”.
وقال الناشط مرعي الرمضان، لـ”نون بوست” إن النظام تلاعب بإعلام المعارضة فرغم قيام الأسد بتصفية شخصيات بارزة في نظامه مثل حادثة تفجير “خلية الأزمة” في 18 يوليو/تموز 2012، إلا أن الحديث عن اغتيال الشبل “تكهنات”، ولتحديد الحقيقة يجب الاعتماد على تحقيقات موثوقة وأدلة قاطعة، وتبقى رواية أحمد رمضان كلام مرسل يفتقد إلى دليل أو قرينة، والإشارة إلى أصابع إيران بالاغتيال يعود إلى “خلافات داخل النظام السوري، وتصفية حسابات فإيران قد ترى في لونا الشبل عقبة أو تهديدًا لمصالحها في سوريا”.
وفي ذات السياق، ذكر الصحفي ضياء محمد، أن عملية موتها غامضة لكنها ليست كما يُشاع من قبل بعض الأطراف المعارضة، وذلك لعدم امتلاك شخصيات المعارضة أي مصادر داخل أروقة النظام، مضيفًا: “ولا نستطيع التكهّن بالجهة المستفيدة من موتها بشكل مباشر، إلا أنه وبحسب معرفتنا بسياسات النظام ضد من يمتلكون أسراره وصندوقه الأسود، بالتأكيد الأسد هو المستفيد الأكبر من التخلص من الشخصيات التي تخضع لعقوبات دولية وانتهت وظائفها بالنسبة له في المرحلة الحالية بعدما ساهمت سابقًا في ترسيخ الدعاية النازية الخاصة به عن الثورة السورية”.
الباحث مصطفى النعيمي هو الآخر اتفق مع زملائه بأن رواية أحمد رمضان تبقى في إطار المعلومات التي ينبغي على كل باحث البحث عن تفاصيلها وتداعياتها وارتداداتها وهذا يحتاج وقتًا طويلًا، لذلك ضمن المناخ الحالي داخل القصر الرئاسي لا يمكن التكهن بماهية المتورطين في تلك المعلومات.
صراع أجنحة داخل النظام
وقال النعيمي: إن لونا الشبل ليست شخصية مهمة ليتم تداول اسمها على أن لديها أي ارتباط بهكذا مشاريع مثل الاستهدافات الإسرائيلية وملف مقتل إبراهيم رئيسي، وفي حال إصدار مذكرات توقيف أو منع سفر، فلا يعتقد بأنه من السهولة بمكان أن يفسح عن ذلك المستهدفون، نظرًا لكونهم في مرمى نيران النظام، وربما يتم توقيفهم لإفصاحهم عن تلك المعلومات. مشيرًا إلى صراع داخل الأجنحة سواء المنتمية إلى طهران أو موسكو.
وأضاف أن الصراع ظهر بعد الاتهامات المتبادلة ما بين النظام السوري والإيراني حول تمرير المعلومات المتعلّقة بتحركات قادة ميليشيات في سوريا والاتهام المباشر إلى النظام السوري بأنه من يقوم بتمريرها إلى الجانب الإسرائيلي، لكن النعيمي، لا يرجّح مهما كانت قدرة لونا الشبل على الوصول إلى الكثير من الملفات الحساسة أن تعمل خارج نطاق تقاطع تلك المصالح المتطابقة والمضادة بنفس التوقيت.
وأردف أن الشبل ذات خلفية إعلامية وسياسية والقضايا الأمنية متعلقة بالأمن القومي وأجهزة المخابرات بشكل عام، والتي لا يرجح النعيمي بأنها تستطيع الولوج إليها بأطر مفتوحة، والسبب أيضًا أنها لا تمتلك الخبرة الكافية في هذه الأجهزة من حيث قيمة المعلومة التي ستمتلكها أو من حيث توظيفها والأضرار الناجمة عن امتلاكها.
فبالتالي لا يرجح النعيمي نظرية الخلاف القائم ما بين السيدتين الأولى (أسماء الأسد) والثانية (لونا الشبل) كما يشير إليها الكثيرون، ولا يرجح أن يكون الخلاف داخليًا ما بين الجناحين الموجودين داخل القصر وتخادمهما لبعض الملفات التي لا تتعدى الأطر التنسيقية في المجالات السياسية والإعلامية.
وبالرغم من أن هنالك أسهمًا كبيرة وصلت إليها أسماء الأسد إلا أن لونا الشبل لن تستطيع الوصول إليها والسبب في ذلك أنها ليست من الأسرة الحاكمة، وبالتالي لديها حدود في التحرك لا يمكن أن تتجاوزها، كما أن المنظومة الأمنية الحاكمة في سوريا تعمل ضمن نطاق الدوائر المغلقة، ولا يمكن أن تمرّر المعلومات ما بين كل تلك الدوائر بطريقة عشوائية، وإنما تخضع إلى أطر أكاديمية وإلى مؤسسات تقيم تلك المعلومات وتفصح عما يمكن أن يكون في الأطر العامة وتمنع المعلومات الخاصة. حسب الباحث مصطفى النعيمي، لافتًا إلى أنه من السهولة أن يتم ملء الفراغ الذي تركته لونا الشبل، ولا يعتبر فراغًا مهمًا للنظام لأنه منصب تنفيذي لا أكثر.
علاقتها بروسيا
وصفت وسائل الإعلام الأجنبية لونا الشبل بأنها تُعتبر إحدى أبرز الوجوه الإعلامية التي تعزّز رواية النظام السوري، ودورها يتجاوز تقديم الأخبار إلى محاولة تشكيل الرأي العام المحلي والدولي لصالح النظام، ومنذ عام 2022 دفعت تصريحاتها المؤيدة وجولاتها المكوكية لروسيا إلى اعتبارها إحدى الشخصيات التي تقيم لها موسكو اعتبارًا على خلاف بقية الشخصيات الموجودة في قصر الأسد.
ويرى المستشار الاقتصادي د. أسامة قاضي، في حديثه لـ”نون بوست” أن موت لونا الشبل يأتي ضمن تصفية شخوص النظام التابعة لروسيا، فإبعادها عن القصر الجمهوري لقربها من الروس، بعد أن أرادت بناء إمبراطورية اقتصادية مصغرة عن إمبراطورية أسماء الأسد، حيث افتتحت في منتصف العام 2022 مطعمًا فخمًا للمأكولات الروسية في العاصمة السورية دمشق، تحت مسمّى “ناش كراي/Nashkray”، مثلما تم استبعاد أسماء الأسد في 21 مايو/أيار الماضي بحجة سرطان الدم وهو مرض لا يمنع صاحبه من الظهور.
وأضاف قاضي، أن اعتقال النظام لشقيقها العميد في الحرس الجمهوري، ملهم الشبل، بتهمة التخابر مع دولة أجنبية (تسريب معلومات تواجد إيرانيين لإسرائيل)، جعل لونا تشعر بالخطر الإيراني فقررت الذهاب إلى روسيا، سبقها التخلّص من يسار إبراهيم عبر التسمم وهو اليد اليمنى لأسماء الأسد، معتقدًا أنه سيتم تصفية جميع المواليين لروسيا وغير مخلصين لإيران، لكن السيناريو للشخصيات التي ستقود المرحلة القادمة للقصر الجمهوري والإمبراطورية الاقتصادية لم يكتمل بعد.
لقبت بالسيدة الثانية وسيدة الصمود
الجدير بالذكر أن الإعلامية لونا الشبل المولودة في السويداء عام 1975، برز اسمها بعد عملها مذيعة في قناة الجزيرة القطرية ما بين عامي 2003 و2010، تزوجت خلالها من زميلها الإعلامي اللبناني سامي كليب الذي طلقها بعد انتشار قصة البريد الإلكتروني المسرّبة لبشار الأسد مع نساء كانت لونا من بينهن، ثم تزوجت عمار ساعاتي مؤسس ميليشيا “كتائب البعث” الذي يخضع معها لعقوبات أميركية وبريطانية.
وفي العام 2011 عيّنها بشار الأسد مستشارة إعلامية وسياسية، ليتم تعيينها في العام 2020 مستشارة خاصة بالرئيس الأسد، وذلك بعد حديث عن صراع بينها وبين سيدات القصر “أسماء الأسد والمستشارة بثينة شعبان”، وذكر الصحفي الموالي للنظام كنان وقاف لموقع “الحرة” أن الشبل تعد “السيدة الثانية في القصر بالفعل، بسبب توسّع صلاحياتها التي كانت تقارب صلاحيات (السيدة الأولى) أسماء الأسد”.
كانت الشبل مسؤولة عن صياغة الرسائل الإعلامية التي تصدر عن النظام، وعملت على توجيه الإعلام لتبني الرواية الرسمية للأحداث، والتي تركز على نفي مسؤولية النظام عن الجرائم والانتهاكات، وإلقاء اللوم على المعارضين، وعملت على دحض التقارير الحقوقية الدولية التي توثق الانتهاكات والجرائم التي يرتكبها النظام.
فيما لُقّبت بـ”سيدة الصمود” كونها دعت إلى الصمود كما صمدت “مؤسسات الدولة” في لقاء أجراه معها “ربى الحجلي وحسين مرتضى”، عبر تلفزيون النظام في تموز/ يوليو 2021، وفي لقاء مع قناة “روسيا اليوم” زعمت الشبل، أن “المواطن لن يموت جوعًا ولا بردًا، والحكومة السورية استطاعت كسر الحصار المفروض على سوريا وتأمين المتطلبات الأساسية للمواطن”.
عذراً التعليقات مغلقة