قبل أيام قليلة، كتب محمد صبرا، المحامي السوري وكبير المفاوضين في جنيف سابقا، على حسابه في منصة “إكس”: “تحل اليوم الذكرى العاشرة لاعتقال شقيقي محمود الذي اعتقله مجرم الحرب بشار الأسد بتاريخ 19/2/2014 بعد انتهاء جولة المفاوضات في جنيف، انتقاما من مشاركتي في وفد المعارضة، رغم كل الضمانات والتطمينات التي قدمتها الأمم المتحدة والدول الراعية للعملية السياسية”.
وبينما تحل في فبراير/شباط من كل عام ذكرى اعتقال محمود، تحل في شهر مارس/آذار ذكرى اعتقال الدكتورة وبطلة الشطرنج السورية، رانيا العباسي، التي اعتقلت مع أطفالها الستة، وكانت ليان أصغرهم تبلغ لحظة اعتقالها عاما ونصف العام، وزوجها عبد الرحمن ياسين وصديقتها مجدولين القاضي، وجميعهم بما فيهم الأطفال مجهولو المصير منذ لحظة اعتقالهم.
غير محمود وليان آلاف الرهائن… تعارض النظام السوري سلميا، تساهم في مساعدة الجرحى أو إغاثة النازحين، تفاوضه وبضمانة أممية لإنقاذ سوريا والسوريين من حرب طاحنة، فيكون مصيرك ومصير أقاربك- إن لم يجدك النظام- التغييب القسري في سجونه.
عشرات القصص رواها من كتبت له النجاة من سجون الأسد، كيف تؤخذ النساء والأطفال رهائن، وكيف يتم تعذيبهم أمام ذويهم، لا لأخذ اعترافات على “جرائم” لم يرتكبوها، ولكن للذة التعذيب ولذة الانتقام ممن طالب بالحرية أو من ذويهم، أو من عابر سبيل. وآلاف القصص لم تحكَ لأن لأصحابها رهائن ما زالوا يعيشون هناك.
كيف يمكن لأحد أن يتوهم أن وطنا يمكن أن يبنى إن كان سكانه رهائن لا مواطنين؟
13 عاما والضمانات الدولية لم تستطع الإفراج عن معتقل واحد، 13 عاما ولا يزال مصير عشرات الآلاف مجهولا. عشرات الجولات من المفاوضات، من جنيف إلى أستانة، وكلها بضمانات دولية ورعاية أممية وجميعها لم تلزم نظام الأسد بالإفراج عن طفل واحد، فكيف لمجتمع دولي وأمم متحدة لم تستطع أن تضمن أمن عائلات من شارك في المفاوضات للتوصل إلى حل سلمي، أن تضمن التزام الأسد بالحل وبسلامة اللاجئين وأمنهم إن قرروا العودة؟
وكيف يمكن أن يتوهم أحد أن وطنا يمكن أن يبنى إن كان سكانه رهائن لا مواطنين؟
تُعرّف الاتفاقية الدولية لمناهضة أخذ الرهائن هذا الجرم على أنه “إلقاء القبض على شخص (الرهينة) أو احتجازه، مع التهديد بقتله أو بإلحاق الأذى به أو بالاستمرار في احتجازه، من أجل إكراه طرف ثالث على القيام بعمل أو الامتناع عن القيام به كشرط واضح أو ضمني لإطلاق سراح الرهينة”. وتحظر اتفاقية جنيف أخذ الرهائن وتعتبره “انتهاكا جسيما”، ولكن كيف وقد اتخذ شعب بأكمله رهينة؟ يمنع من السفر، يعتقل ويغيب قسرا في السجون، تؤخذ أمواله وأملاكه وتصادر حياته كما صودرت حريته، ولا من أحد يحاسب الفاعل على هذا “الانتهاك الجسيم”.
منذ مطلع العام الجاري، أي خلال شهرين فقط، استهدفت إسرائيل الأراضي السورية 20 مرة
ولمَ لا إن كان هذا الانتهاك واحدا من مئات الانتهاكات التي تمارس بحق السوريين من أكثر من خمسين عاما؟
21 عاما قضاها عدنان قصار في سجون النظام السوري، تعرض فيها لشتى أنواع التعذيب، قبل أن “يعفو عنه” بشار الأسد، وجريمة القصار كانت أنه فاز على باسل حافظ الأسد في سباق الخيل.
في المقلب الآخر، ووفقا لإحصائيات “المرصد السوري لحقوق الإنسان”، قامت إسرائيل منذ مطلع العام الجاري، أي خلال شهرين فقط، باستهداف الأراضي السورية 20 مرة، وطبعا في حال كان الاعتداء إسرائيليا فإن النظام الذي كان “يحتفظ بحق الرد”، بات غير معني إطلاقا بالتعليق على أخبار الانتهاكات شبه اليومية، فهو منغمس في الانتقام من السوريين ومن يتضامن مع السوريين، منغمس في بيع سوريا لإيران وتحويلها لساحة تصفية حسابات بين القوى المتصارعة، ينتظر لحظة إعلان انتصار أحد المتصارعين ليقول كنت معكم أعطوني الثمن. وحدهم السوريون لا ثمن لهم، لا من يدفع فدية لإطلاق سراحهم، وقد دفع مئات الآلاف منهم حياته ثمنا للحرية، ومع ذلك يبدو أن كل هذه الدماء والعذابات ليست فدية مناسبة لمن حول سوريا إلى سجن كبير وحول السوريين إلى رهائن.
عذراً التعليقات مغلقة