في الواقع فإن عملية حماس هي عملية عسكرية غير مسبوقة من ناحية الحجم وأسلوب التنفيذ في تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وهي بحد ذاتها مفخرة للأمة العربية والإسلامية بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى، ولعل من أطلق على العملية التي قامت بها المقاومة الفلسطينية اسم “طوفان الأقصى” لم يبالغ مطلقا في تسميته تلك، فهذه العملية الجريئة وغير المسبوقة كانت فعلا الطوفان الذي جرف وهدم معه كل عنجهية وتجبر دولة إسرائيل وقواعد أمنها واستخباراتها وأسطورة جيشها الذي لا يقهر، بل وأفقدت دولة الاحتلال هيبتها الورقية وحطمت بما لا يجعل مجالا للشك كل سياسات الردع والتفوق الاستراتيجي التي تنتهجها تل أبيب منذ بدايات وجودها اللاشرعي على أرض فلسطين، يأتي كل هذا بعد أن استطاع مئات المقاومين الفلسطينيين بأسلحتهم الفردية البسيطة اختراق دفاعاتها المحصنة وحواجزها الإلكترونية الأمنية التي كلفتها مليارات من الدولارات، وفتح ثغرات كثيرة فيها ووصولهم إلى عمق مستوطنات ومعسكرات غلاف غزة لمسافات قد تزيد عن 30 كم، وتكبيد قوات الاحتلال الإسرائيلي مئات القتلى والأسرى وآلاف الجرحى.
لا شك عمليا بأن قيادات وعناصر المقاومة الفلسطينية في عمليتهم البطولية هذه قد أظهروا للعالم قدرات عالية في حسن التخطيط والإعداد و التنفيذ، وقام فدائيو المقاومة بشكل مذهل ولافت بتطبيق كافة التكتيكات المركبة الصعبة التي تتطلبها مثل هذه الاقتحامات المفاجئة، كالتمهيد الناري والصاروخي والتحرك والتمشيط واستخدام المظلات والمسيرات والمناورة السريعة وفتح الثغرات في الحواجز الأمنية، والتسلل والمداهمة والالتحام المباشر، ولا شك لدى أي متابع ومهتم أن عنصر المفاجأة والمباغتة وحجم وسرعة وأساليب وطرق الهجوم المتعددة، ويوم التنفيذ الذي صادف السبت وهو عيد العرش عند اليهود قد ساعد وإلى حد كبير عناصر المقاومة في مهمتهم البطولية، وأربك وإلى حد كبير قيادات المنظومة الدفاعية الإسرائيلية التي وعلى ما يبدو كانت تغط في سبات عميق، ولم تكن في أي حالة من حالات الجاهزية القتالية والاستعداد الكافي للتصرف الآني والسريع حيال هذا الخطر الداهم.
في الواقع فإن القدرات العسكرية والاستخباراتية الإسرائيلية مصنفة على أنها الأفضل في الشرق الأوسط، بل وعلى أنها واحدة من الأفضل في العالم، ولكن هذا على ما يبدو ديدن إسرائيل بشكل دائم وإلى درجة السذاجة أنها تستهين كثيرا بقدرات وإمكانيات خصومها العرب، وهذا ما جعلها وسيجعلها مرارا وتكرارا تقع في شر أعمالها وحصاد النتائج الكارثية المترتبة على سوء تقديراتها للمواقف. وهذا بالفعل ما شاهدناه في سيطرة حماس بعملية طوفان الأقصى على الكثير من المستوطنات والمواقع وعدم تمكن الجيش الإسرائيلي من استعادة السيطرة عليها إلا بتكلفة عالية من الخسائر البشرية والمادية ومدة تجاوزت أكثر من 72 ساعة.
هل هناك إعلان حرب واجتياح بري لقطاع غزة وهل ممكن أن تتحرك جبهات أخرى..؟
كنتيجة طبيعية لهذه العملية فهناك اجتماعات كثيرة واستنفار وارتباك واضح على جميع المستويات لدى القيادتين العسكرية والسياسية، ناهيك عن حالة الخوف والهلع التي يمر بها المجتمع الإسرائيلي غير المتجانس نتيجة لعملية طوفان الأقصى والرهاب الذي أصابهم نتيجة آلاف الصواريخ التي تطلقها المقاومة من قطاع غزة والتي طالت من خلالها غالبية المدن والمستوطنات الإسرائيلية وعلى رأسها مطار بن غوريون وسديروت وتل أبيب.
لا شك في أن إسرائيل تدرك وتعي جيدا عدم إمكانية السيطرة على الموقف نتيجة غاراتها وقصفها الهستيري التدميري لقطاع غزة، واتباع سياسة الأرض المحروقة بكافة أنواع الأسلحة والصواريخ، وإيقاع المئات من القتلى وآلاف الجرحى إضافة للحصار المطبق وقطع الماء والكهرباء والغذاء عن القطاع، وبالتالي ورغم توقيع وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت في وقت سابق قرار استدعاء جنود الاحتياط للخدمة وإعلان الجيش الإسرائيلي أنه قام بتعبئة 300 ألف من جنود الاحتياط استعدادا لاحتمال نشوب حرب برية واسعة قد تنفتح على جبهات وساحات متعددة. وعليه فالسيناريو الأسوأ الذي تتحسبه القيادة الإسرائيلية من جراء التفكير بأي اجتياح بري للقطاع هو أن يجتذب ذلك تحريك المقاومين في الضفة الغربية وجماعة حزب الله اللبناني التي أطلقت بدورها عددا من الصواريخ والقذائف على شمالي إسرائيل من جنوبي لبنان، وبالتالي دخولهما بقوة في المعركة، ناهيك عن إمكانيات دخول ميليشيات وأذرع إيران على الخط وفتح الجبهة السورية وذلك بلا حول ولا قوة من نظام الممانعة والمقاومة القابع في دمشق.
في كل الأحوال إذا أقدمت إسرائيل على العملية البرية لاجتياح القطاع فإن المقاومة الفلسطينية ستكون مستعدة من فوق وتحت الأرض وستوقع بها خسائر فادحة مؤكدة، وستكون الفاتورة التي سيدفعها العدو الإسرائيلي عالية جدا قد لا يستطيع معها نتنياهو وحكومته اتخاذ القرار الصعب بشأنها والبدء بتنفيذها، والتورط الدامي في مستنقع وأوحال غزة وفقدان القدرة حينذاك على تحديد توقيت وكيفية الخروج منه، والعواقب الكارثية التي سيخلفها هذا الاجتياح، على الرغم من حالة إعلان الحرب والدعم العسكري الذي تتلقاه تل أبيب من حليفتها واشنطن بحكم التزام الأخيرة تجاه دولة الاحتلال وتوجيه وزير الدفاع الأميركي “لويد أوستن” أوامره لإبحار مجموعة حاملة الطائرات الهجومية “جيرالد آر فورد” إلى شرق البحر المتوسط لإظهار الدعم الأميركي لإسرائيل، وإعلان الرئيس الأميركي “جو بايدن” أنّ مساعدات عسكرية أميركية إضافية كبيرة في طريقها لإسرائيل.
ختاما… بالتأكيد كل شيء ممكن نتيجة لعملية حماس، واحتمالات التوسع في المواجهات واردة وممكن أن تتدحرج العمليات ويشترك حزب الله وأذرع وميليشيات إيران في سوريا، وهذا ما سيؤدي حتما إلى اشتعال المعارك في أكثر من ساحة وسيتوقف ذلك على زيادة حجم المناوشات وتوسعها عبر الحدود بين مختلف الأطراف ووقوع خسائر كبيرة نتيجة لذلك، والفيصل في هذا الأمر ربما أن يكون هناك اجتياح بري واسع لقطاع غزة دون تحديد أهدافه العملياتية والاستراتيجية سوى إرادة إسرائيل القضاء الصعب إن لم نقل المستحيل على حركة حماس وبالتالي سقوط آلاف من الضحايا المدنيين رغم أن الإجرام الإسرائيلي لا يكترث بذلك.
عذراً التعليقات مغلقة