يشتد الصراع في محافظة دير الزور الإستراتيجية ذات الطبيعة الجيوسياسية الثمينة للعديد من الأطراف المهيمنة عليها، والتي تعد الولايات المتحدة الأمريكية أقواها، منذ اندلاع المواجهات بين ميليشيا “قسد” التابعة لها ومقاتلي العشائر في 27 آب/أغسطس 2023.
وبعد إعلانها “مراقبة الأحداث في شمال شرقي سوريا عن كثب” أكدت “قوة المهام المشتركة – عملية العزم الصلب” التابعة للتحالف الدولي في بيان، مواصلة دعم “قسد” وحثّت على “إنهاء العنف والتوصل إلى حل سلمي في دير الزور”. فيما قال قائد الميليشيا مظلوم عبدي، الاثنين: “وصلتنا معلومات بأنَّ الأمريكيين غير معنيّين بتنفيذ عملية عسكرية على الحدود”.
الموقف الأمريكي في 4 نقاط
للاطلاع على الموقف الأمريكي أوضح عدد من السياسيين السوريين – الأمريكيين، لـ”أورينت” 4 نقاط وفق ما يلي:
1. كوادر الـ PKK الإرهابي تحاول إفشال التوازن الذي تسعى إليه واشنطن لزيادة قوة واستقلالية القوات العربية التي تشكّل جزءاً من “قسد”، خاصة بعد تقوية الحدود مع العراق عبر دعم القبائل العربية هناك.
2. الإدارة الأمريكية لا تتخلى عن حليفتها الإستراتيجية “قسد”، لكنّها لن تتدخل في الصراع العشائري.
3. موقف التحالف الدولي الحالي هو الحذر والمراقبة ومنع المقتتلين من الاقتراب من القواعد العسكرية.
4. مصيبة أمريكا في سوريا رجلان الأول: روب مالي، والثاني: بريت ماكغورك.
وقال قتيبة إدلبي، مدير البرنامج السوري في المجلس الأطلنطي: إنَّ “الموقف الأمريكي اليوم صعب”، وتبدو الأحداث الأخيرة “محاولة من كوادر الـ PKK لإفشال التوازن الذي كانت تركّز عليه واشنطن لزيادة قوّة واستقلالية القوات العربية التي تشكّل جزءاً من قسد في محافظتي الرقة ودير الزور، مقابل السيطرة الكاملة لوحدات حماية الشعب YPG كونه يُهدّد سيطرتهم في المنطقة”. مستبعداً أن تأخذ القوات الأمريكية طرفاً في هذا الاقتتال.
وأضاف “إدلبي” في حديثه لـ”أورينت”: أنَّ قوات العشائر إن استمرت في إنجاح تقدّم سيشكّل ذلك ضغطاً حقيقياً على الحكومة الأمريكية لتقوية المكوّن العربي بشكل أكبر داخل المنظومات الموجودة في شمال شرق سوريا، معتبراً أنَّ “قسد” هي “الخاسر الأكبر على المدى الطويل”.
بدوره، شادي مارتيني، المدير التنفيذي لمنظمة تحالف الأديان، وعضو مجلس إدارة التحالف السوري الأمريكي في نيويورك، أكد لـ”أورينت” أنَّ الإدارة الأمريكية لا تتخلى عن “قسد”، لكنّها لن تتدخّل في الصراع العشائري، فهي تركّز جهودها على عدم ظهور “داعش” في المنطقة، متوقعاً الوصول إلى حلٍّ توافقي يرضي العشائر بامتيازات للتحكّم بأمور مناطقهم.
بينما رأى الناشط في أمريكا، فراس العرودكي، أنَّ موقف التحالف الحالي هو المراقبة ومنع المقتتلين من الاقتراب من القواعد العسكرية، موضحاً لـ”أورينت” أنَّ عدم دعم جهة على حساب جهة أخرى يعود لسببين: الأول هو معاقبة “قسد” على عدم التزامها مع التحالف في أيّ عملية عسكرية مرتقبة على الحدود العراقية-السورية وغضب الأمريكيين من استمرارية الارتباط العضوي بين الـ””PKK و”YPG”.
أمّا السبب الثاني، حسب “العرودكي”، فهو دفع العشائر العربية لتشكيل جيش من نفسها بدلاً من قيام الأمريكيين بهذه المهمة مع كلّ قبيلة، وبالتالي، الجيش العشائري العربي بقيادة موحدة سوف يكون جاهزاً عندما تريد أمريكا القيام بعمليتها العسكرية على الحدود العراقية-السورية.
وفي تعاطي أمريكا مع الملف السوري، وصف رئيس منظمة مع العدالة، وائل السواح، المقيم في الولايات المتحدة، المشكلة في شمال شرق سوريا بأنّها “بالغة التعقيد”، وذلك لأنَّ الإدارات الأمريكية المتعاقبة منذ الرئيس أوباما “لم تضع إستراتيجية منسجمة ومتطورة تجاه سوريا عموماً وشمال شرقها خصوصاً”، منوهاً أنَّ أمريكا وحلفاءها حاربت “داعش” لكن دون أن تحاول البحث عن أسباب وجوده ومن كان وراءه.
وقال “السواح” لـ”أورينت”: إنَّ مصيبة أمريكا في سوريا رجلان، الأول: روب مالي الذي يفعل المستحيل لإرضاء ملالي طهران، والثاني: بريت ماكغورك المسؤول عن ملف شمال شرق سوريا، وهو لا يرى سوى “قسد” في سوريا حليفاً له. مضيفاً: “التقيت به مرّتين وطالبته بوجوب النظر إلى المسألة السورية بعينين اثنتين لا بعين واحدة. ولكنَّه رفض في المرتين”.
وأضاف أنَّ التوترات المستمرة منذ فترة طويلة تهدّد بتقويض التماسك داخل الجزء الذي تسيطر عليه واشنطن، ما يثير مخاوف من أن تستغل أطراف الصراع الأخرى الفرصة لدحر مكاسب “قسد”، وربّما شن هجمات على القوات الأمريكية في محاولة لإخراجها من المنطقة الغنية بالموارد. لافتاً إلى أنَّ سياسات أمريكا، أفضت إلى المزيد من التعقيد وتهميش المكوّن العربي، وهي تريد الآن تعديل موقفها ودفع العنصر العربي إلى الواجهة.
وهذا ما أكده، ابن دير الزور، خالد الحماد، المشرف العام على “مركز وسط للبحوث والدراسات الفكرية”، لـ”أورينت” بأنَّ الأمريكان يقفون على الحياد من الحراك لكنّهم يعوّلون على “قسد” ولا يدعمون العشائر.
في حين أشار الناشط الديري، فيصل أبو سعود، إلى أنَّ الأمريكان لا يتمسكون بحليف، فهم ينحازون لمصالحهم ويدعمون الأقوى الذي يحمي هذه المصالح، مضيفاً أنَّ المشهد يقول: إنَّهم يريدون التهدئة لكن العشائر يعلمون أنَّ العودة للوراء يعني إعدام المكون العربي في المنطقة وفرض ميليشيا “قسد” نفسها، وهذا ما لا يقبله الجميع.
حراك العشائر يرفض التدخل الإيراني
تحاول ميليشيا “قسد” صبغ الانتفاضة العشائرية ضدها بالتبعية للأسد الذي يروّج إعلامه لبدء معركة تحرير شرق الفرات من “الاحتلال الأمريكي” ويتبنّى تحرير المناطق من “قسد”، وبهذا السياق أعلن مظلوم عبدي، عن بدء العملية العسكرية في دير الزور لإجهاض ما أسماه “مخطط النظام السوري بالسيطرة على مناطقنا”.
ويستبعد خالد الحماد، أن يكون لميليشيات أسد وإيران وروسيا دور في حراك العشائر الذي هو عبارة عن تراكمات لانتهاكات “قسد” وتلاعبها في المنطقة، بل هناك محاولات للتدخل عبر نواف البشير شيخ “عشيرة البكارة” ومهنا الفياض شيخ “عشيرة البوسرايا”، واللذين يجب الحذر منهما، فضلاً عن عدم وجود قيادة لهذا الحراك قد يكون عرضة للاختراق من إيران وأسد وقسد.
وعن هذا يقول الباحث في الشأن الإيراني، ضياء قدور، لـ”أورينت”: إن وقع أيّ تدخل للميليشيات الإيرانية سيكون التحالف لهم بالمرصاد، فالتدخل بمناطق النفوذ الأمريكي ممنوع.
وباعتقاد “قدور” أنَّ مصطلح القوات العشائرية “مطاطي” يمكن للجميع استثماره، بمن فيهم إيران التي تسعى لزيادة نفوذها، لذلك الصراع مع “قسد” رغم أنَّه مبني على “مبدأ الصحوة العربية” إلا أنَّه يتطلّب تنظيم الكفاح المسلّح ضمن قيادة واضحة.
تحذير من شماعة “داعش”
حذّر خالد الحماد، من أنَّ “داعش” قد تدخل خط الحراك الدائر بدعم من “قسد” التي تحتجز المئات منهم في سجونها لصبغ المنطقة بها، وبالتالي يتدخل التحالف الذي لا يستغني عن قسد في قتال “داعش”، فهذا سيناريو محتمل وممكن وخطير. حسب وصفه.
كذلك لا يستبعد، فراس العرودكي، أن تعلن “قسد” عن “هروب مفاجئ لمئات العناصر من داعش من أحد السجون”، أو عمل اتفاق طارئ ومهين مع ميليشيا أسد للتعاون في كبح جماح العشائر ووقف تحريرهم للبلدات والقرى.
موقف تركيا والتدخل الروسي
أعربت وزارة الخارجية التركية عن قلقها في بيان إزاء الاشتباكات شرقي سوريا، وقال قتيبة إدلبي: إنَّ الحكومة التركية تنظر بإيجابية لأي حدث قد يسهم في التخفيف من سيطرة ميليشيا “قسد” ومنظمتها الأم “PKK”على مناطق شمال شرق سوريا ومقدراتها، وأيّ تحرك تركي في المنطقة يتطلب توافقاً أمريكياً – تركياً وهو غير متوفر في الوقت الحالي.
بدورهما، خالد الحماد، وشادي مارتيني، أكدا أنَّ تركيا لا تملك حالياً إلا الرسائل السياسية والإعلامية، وهو ما عبّرت عنه ببيان وزارة الخارجية والذي وجّه اللوم لداعمي “قسد” ومناصريها، ودعاهم إلى أن يروا الطبيعة الحقيقية للمنظمة الإرهابية التي تدّعي أنَّها طرف فاعل في الحرب ضد (داعش).
وعن الدور الروسي وقصف روسيا الجوي لمناطق دخول العشائر بريف منبج، أوضح قتيبة إدلبي، أنَّ التدخل في منطقة منبج منفصل عن دير الزور ويأتي في إطار التفاهمات المتعلقة بوقف إطلاق النار ما بين تركيا وروسيا وأمريكا عام 2020، والذي يثبت خطوط النزاع بين الأطراف الثلاثة (قسد، الجيش الوطني، نظام أسد).
فيما رأى فراس العرودكي، أنَّ تدخل روسيا طبيعي لتدافع عن نقاط ميليشيا أسد بحكم التحالف بينهما، وبالتالي ستكون “قسد” محصنة براً وجواً من خلال أسد والروس، وهذا ما يناقض مزاعم الأسد بأنّه داعم للقتال العشائري ضد “قسد” وهو يدافع عنها.
عذراً التعليقات مغلقة