تشهد أسواق شهر رمضان الجاري حالة ركود في الحركة الشرائية بسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية، وتردّي الحالة الاقتصادية لمعظم السكان في جميع مناطق السيطرة السورية، كما أرخت كارثة الزلزال المدمّر ظلالها على السكان في الشمال السوري، حيث اتجهت المنظمات الإنسانية إلى رفد متضرري الزلزال.
وفي جولة لموقع “أورينت” رصد تشابهاً في الحالة الرمضانية هذا العام من حيث العزوف عن الشراء وخلو الأسواق من الناس، وندرة حملات الإفطار المعتادة، واقتصار موائد الإفطار والسحور على ما تيسّر من مأكولات وأصناف محدّدة، ولسان حال الكثيرين يقول: “ما فائدة ارتفاع وانخفاض الأسعار طالما لا يوجد لديّ المال للشراء؟”، وتأتي مناطق سيطرة ميليشيا أسد في الصدارة، من حيث ضعف إمكانيات السكان وشحّ المساعدات.
مناطق سيطرة ميليشيا أسد
عدد من سكان ريف حمص الشمالي، أكدوا لـ”أورينت” تضاعف أسعار المأكولات والخضروات مع بداية شهر رمضان، إذ تُقدّر قيمة مائدة متواضعة بنحو 30 ألف ليرة سورية، إضافة إلى أنَّ الخبز المحدّد للعائلة من حكومة أسد لا يكفي، فيضطرون لشرائه من السوق إذ تباع الربطة (وزنها كيلوغرام واحد) بثلاثة آلاف ليرة، بينما السعر الحكومي 250 ليرة.
ويتراوح سعر الكيلوغرام الواحد من الخضار من 2 إلى 6 آلاف ليرة سورية، وأسعار البقوليات من 8 إلى 20 ألف ليرة، ولتر الزيت النباتي 20 ألفاً، وكيلو لحم الدجاج 22 ألفاً، والفروج المشوي 70 ألفاً، وكيلوغرام من لحم الغنم 80 ألفاً. أما مواد السحور فيبلغ كيلو غرام من اللبنة 30 ألفاً والجبنة 35 ألفاً وسعر البيضة الواحدة 800 ليرة، ويتراوح سعر كيلو غرام التمر من 10 إلى 100 ألف ليرة.
ويأتي عزوف السكان عن الشراء بسبب الفجوة الكبيرة بين قيمة الدخل وحجم المصروف اليومي، ما أسفر عن ظهور طبقة معدمة، لا تستطيع تأمين قوت يومها، وذكر الأهالي أنَّ أغلب الناس ليس لديهم دخل شهري، بسبب انتشار حواجز الأمن وظواهر المخدرات والفلتان الأمني، فمعظم الشبان يعزفون عن العمل خارج منطقتهم خوفاً من الخطف أو الاعتقال.
ولا يستطيع الشراء إلا ميسورو الحال ممن يتجاوز دخلهم الشهري مليون ليرة سورية، بينما الموظف الحكومي متوسط راتبه 100 ألف يكفيه لصنع مائدة إفطار ليوم واحد، حسبما يقول الأهالي، مشيرين إلى انعدام حملات الإفطار هذا الشهر لغياب الداعمين لها.
ويضيف سكان ريف حمص، أنَّه لا يوجد منظمات إنسانية أو جهات إغاثية من شأنها أن تخفّف العبء على السكان، على غرار ما كانت عليه الأحوال أثناء سيطرة فصائل الثوار على المنطقة، حيث كانت تنشط عشرات الجمعيات الخيرية.
ويقتصر العمل الإغاثي على منظمة الهلال الأحمر السوري التي توزّع سلة إغاثية كلّ ثلاثة أشهر مرّة تحوي: (3 كيلو أرز، 3 كيلو سكر، ومثلها حُمّص، كيلو طحين، 4 لترات زيت نباتي)، وهي لا تكفي لمدة 10 أيام، فضلاً عن غلاء أسعار المحروقات. حسب الأهالي.
وعن تضاعف أسعار المأكولات والمشاريب الرمضانية، ذكرت صحيفة “الوطن” التابعة للنظام، أنَّ المعروك السادة ارتفع من 4000 إلى 8000 ليرة، والمعروك المحشي من 5000 إلى 10000 ليرة، ويصل إلى 15 ألف ليرة في بعض المحال، وارتفع سعر ليتر العرقسوس من 3000 إلى 5000 والتمر هندي والقمر الدين والجلاب من 5000 إلى 10000 لليتر الواحد.
أمّا الحلويات الرمضانية فسجّل كيلو الكنافة النابلسية والمدلوقة بقشطة، أسعاراً تراوحت بين 30 ألفاً و40 ألفاً، وسعر قطعة القطايف المقلية والوربات بجوز 4000 ليرة ومثيلاتها من المحشوة بقشطة بـ3000 ليرة. بينما تراوحت أسعار الإفطار في المطاعم بين 70 ألفاً و150 ألف ليرة، في زيادة عن رمضان العام الماضي بنسبة 100 بالمئة، أما السحور فتراوحت الأسعار من 40 ألفاً إلى 75 ألف ليرة.
وأكدت الصحيفة الموالية أنَّ الأسبوع الأول من شهر رمضان انتهى، ولم تبادر الفعاليات الاقتصادية والمجتمعية، كعادتها في كلّ رمضان، لمساعدة الأسر الفقيرة التي لا تستطيع تأمين لقمة فطورها وسحورها، نتيجة الغلاء الفاحش والمتفاقم في هذا العام عن سابقيه، باستثناء مديرية الأوقاف، وبعض الجمعيات الخيرية الأهلية.
في حين، قدّر عضو غرفة تجارة دمشق، محمد الحلاق، تراجع الطلب في الأسواق السورية بعد الأسبوع الأول من شهر رمضان، بأكثر من 50%، بسبب تراجع القدرة الشرائية لدى معظم المستهلكين. حسب موقع “بزنس تو بزنس”، وسط غياب “شبه كامل” لأسواق الخير التي كان يقيمها “اتحاد غرف الصناعة والتجارة” لكسر الأسعار.
أسواق مناطق سيطرة ميليشيا “قسد”
يقول الإعلامي ملهم النايف، المنحدر من محافظة الرقة، لـ”أورينت”: إنَّ أسعار الخضار ارتفعت مطلع رمضان إلى 3 أضعاف، مثل الخيار والبندورة إذ كانت قبل رمضان بين 3 و 4 آلاف ليرة سورية، واليوم أصبحت تباع بـ 10 آلاف ليرة سورية، عازياً السبب إلى إغلاق “قسد” أثناء فترة عيد النيروز المعابر لمدة أسبوع، وكان متزامناً مع دخول رمضان، ما أدى إلى ارتفاع في سعر الخضار وبعض المواد الغذائية التي مصدرها مناطق سيطرة ميليشيا أسد في ريف الرقة وحلب.
وعن حركة أسواق الرقة وريفها، يوضح “النايف” أنَّ “السوق مزدحم لكن لا يوجد شراء للمواد، فمن كان يشتري كمية لعشرة أيام، اليوم يشتري فقط حاجة يومه، وهذا سبب الازدحام، تجد الناس يمشون في السوق وأيديهم فارغة من الأكياس”.
ويشمل الغلاء كافة المواد الاستهلاكية، وحتى طقوس رمضان من المعروك والمشروبات الرمضانية اختلف سعرها مقارنةً بالعام الماضي، ويشير “النايف” إلى أنَّ السكان يعتمدون بشكل عام على الحوالات المالية المرسلة من أقاربهم في الخارج، لكن الموظفين والعمال اليومية وضعهم سيّئ جداً.
أمّا بالنسبة للمنظمات الإنسانية، فلا يوجد منظمات في مدينة الطبقة غرب الرقة تدعم الفقراء، كما لا يوجد مشاريع خيرية تستهدف الفقراء في رمضان، باستثناء جمعية “البيان” للتنمية والإغاثة، التي أطلقت حملة “رحماء بينهم” لإفطار صائم، كما استهدفت 600 عائلة الأشد فقراً بسلل إغاثية بقيمة 70 دولاراً عن طريق جمع التبرعات وفتح بثوث مباشرة للتعريف بالحملة وجمع المبلغ المطلوب.
يشار إلى أنَّ “الإدارة الذاتية” لشمال شرق سوريا قرّرت رفع رواتب موظفيها ليصبح الحد الأدنى للرواتب 520 ألف ليرة سورية اعتباراً من مطلع آذار 2023 بعد أن كان 160 ألفاً، وقد شهدت المنطقة منذ مطلع 2022 احتجاجات شعبية خاصة للمعلمين للمطالبة برفع الرواتب وتحسين الوضع المعيشي.
جمود أسواق إدلب
هناك تفاوت بأسعار المواد الغذائية بين بعض مناطق إدلب، لكنّها في العموم غالية على الشريحة الأكبر من السكان، لذلك حركة السوق “ضعيفة جداً”، وتُعرب الصحفية، سناء العلي، عن دهشتها من جمود الأسواق في رمضان رغم توفر جميع المنتجات والأنواع، فسوق الخضار في مدينة إدلب يُعرف بازدحامه حتى بغير مواسم مثل رمضان، لكنّه غير مزدحم، بسبب تراجع القدرة الشرائية بنسبة كبيرة نتيجة الارتفاع الحاد للأسعار وضعف الدخل خاصة مع انتشار البطالة.
وعن دور المنظمات تقول “العلي” لأورينت، إنَّ معظم العاملين في مساعدة المحتاجين هم فرق تطوعية بجهود فردية تُقدّم الخبز والخضروات أو وجبات إفطار، وهناك فرق كبير باستجابة المنظمات الإنسانية ما بين قبل الزلزال وبعده، إذ توجّهت الجهود الإغاثية لدعم المتضررين من الزلزال، باستثناء منظمات ذات كفالة دائمة لأيتام وأرامل مثل: غول، ميرسي، بيبول إن نيد، مضيفة: “لم أشاهد حركة دعم رمضانية للمخيمات والمنازل التي تحتاج للمساعدات”.
مناطق سيطرة الجيش الوطني
يبدو أنَّ العديد من العائلات في مناطق “درع الفرات، غصن الزيتون، نبع السلام” ستفقد من على موائدها الكثير من الأطباق التي لطالما كانت تزينها موائد رمضان وخصوصاً صحن الفتوش والكبة النيئة، حيث وصل سعر كيلو غرام من البندورة إلى 10 ليرات تركية، والخيار بلغ 28 ليرة تركية، حسبما يقول الناشط الإعلامي، ملاذ الحمصي، أحد سكان مدينة الباب شرق حلب.
ويضيف لـ”أورينت”، أنَّ سعر كيلو غرام من لحم الغنم وصل في رمضان إلى 180 ليرة تركية بعد أن كان 110 ليرات تركية، ويعود سبب الارتفاع إلى تصدير الغنم إلى تركيا من عدة معابر أبرزها الراعي وتل أبيض ورأس العين، في حين ارتفع كيلوغرام الدجاج إلى 42 ليرة تركية بعد أن كان قبل أيام بـ36 ليرة تركية، ووصل سعر طبق البيض إلى 48 ليرة تركية، بينما المعروك السادة سعره 25 ليرة تركية، والمعروك المحشي 50 ليرة تركية، والمشروبات الرمضانية يباع الكيس الواحد منها بـ 10 ليرات تركية، وأرخص نوع حلويات مثل المشبّك والفواشات فسعر الكيلو غرام منها 35 ليرة تركية.
ويوافق “الحمصي” قول “العلي” بأنَّ أغلب المنظمات لا تزال تعمل على الاستجابة السريعة لمتضرري الزلزال بحسب البرامج المقدّمة لثلاثة أشهر، بالتالي فقدت في ذلك عدة منظمات مطبخ رمضان الذي كان يساعد عدداً كبيراً من العائلات الفقيرة.
ويفتقد الناشط في رمضان الجاري وصول التبرعات التي كانت معتادة في السابق، وتُجهَّز من خلالها وجبات إفطار صائم لأكثر من 20 عائلة يعيشون في بيوت متصدعة بقصف النظام في مدينة تادف شرق حلب الفاصلة بين النظام والمعارضة، فموقعها لا يسمح للمنظمات بالوصول إليهم، لكن هذا العام لم يستطع تقديم الوجبات إليهم.
وفي بيان لفريق “منسقو استجابة سوريا” في 27 آذار الماضي، قال: إنَّ ارتفاع أسعار المواد تزامن مع العجز الواضح في عمليات الاستجابة الإنسانية من قبل المنظمات المحلية، إذ انخفضت الاستجابة بين رمضان الحالي والماضي بنسبة 47 %، كما شهدت المنطقة تراجعاً واضحاً في عمليات الاستجابة الإنسانية للمتضررين من الزلزال بنسبة 35% مقارنةً مع بداية شهر آذار.
ووثّق البيان ارتفاع الأسعار بما يلي: “الغذاء بنسبة 38.6 %، الحبوب بنسبة 32.3 %، القمح بنسبة 22.8 %، الزيوت النباتية بنسبة 33 %، الألبان بنسبة 24.4 %، السكر بنسبة 33.15 %، اللحوم بأنواعها بنسبة 57 %، وأسعار الخضار والفاكهة بنسبة 55 %”.
عذراً التعليقات مغلقة