الحروب والكوارث الطبيعية مثل البراكين والفيضانات والزلازل، لا تخلف الدمار والخراب فقط، بل تسبب أزمات صحية وانتشار أمراض وأوبئة أيضا، وهذا ما يحصل الآن في سوريا بعد الزلزال الذي ضرب البلاد وخلف الدمار والخراب وأدى إلى تضرر المرافق الصحية و لاسيما في شمال غربي سوريا، الخاضعة لفصائل المعارضة، وهيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقا).
حيث أفادت منظمة الخوذ البيضاء يوم الثلاثاء بوفاة شخصين بسبب الكوليرا بمنطقة شمال غرب سوريا عقب الزلزال الذي ألحق أضرارا بالغة بالبنية التحتية للصحة والمياه مما أثار المخاوف من ارتفاع عدد الإصابات بالكوليرا.
وقالت منظمة الدفاع المدني السوري “الخوذ البيضاء” إن العدد الإجمالي المسجل للوفيات جراء الكوليرا في شمال غربي البلاد منذ تفشي الوباء العام الماضي ارتفع إلى 22 حالة وفاة مع تسجيل 568 حالة حياتهم غير مهددة.
وأحد هؤلاء المصابين محمد أبو إبراهيم من سكان منطقة الأتارب في محافظة إدلب، الذي صرح لـ DW عربية بأنه نجا بأعجوبة من الزلزال حيث تم انتشاله من تحت الأنقاض وقال “تم نقلي إلى مركز لإيواء متضرري الزلزال، وهناك أصبت بالإسهال فتم نقلي إلى مركز معالجة مصابي الكوليرا وتبين أنني مصاب، حيث تمت معالجتي” وأضاف بأن وضعه جيد الآن ويتماثل للشفاء. كما أشار إلى أن الوضع في مركز الإيواء “سيء” وخاصة ما يتعلق بشبكة الصرف الصحي.
كما كتبت منظمة الخوذ البيضاء في تغريدة “زاد دمار البنية التحتية وخطوط المياه والصرف بعد الزلزال من احتمال تفشي الوباء”.
ومع الزلزال المدمر واحتمال تفشي أمراض في شمال غرب سوريا، زادت منظمة الصحة العالمية إمداداتهامن المضادات الحيوية ومسكنات الآلام وإمدادات علاج الصدمات وأدوية الأمراض غير المعدية إلى سوريا، مع التركيز بشكل رئيسي على المنطقة في شمال غرب البلاد، حسب مسؤوليي المنظمة الدولية.
كما قال المسؤولون إنهم يعملون لضمان توفير المياه والصرف الصحي بشكل أفضل في شمال غرب سوريا، مع 1,7 مليون جرعة من لقاحات الكوليرا التي تؤخذ عن طريق الفم، والتي يخططون لتوفيرها للمجموعات الأكثر ضعفا خلال الأسبوع الأول من شهر مارس/ آذار الجاري.
نقص المياه النظيفة والمرافق الصحية
وتحذر السلطات الصحية المحلية في شمال غرب سوريا من انتشار الوباء بوتيرة أسرع خلال الفترة القادمة مع اقتراب موسم الصيف، وقد بدأت الزيادة من الآن عقب الزلزال، حسب ما صرح به مدير الصحة في إدلب زهير القراط، وذلك “بسبب مراكز الإيواء والمخيمات التي لم يتم تأمين بنية تحتية صحية حقيقية لها خاصة ما يتعلق بالصرف الصحي ومياه الشرب”.
ولهذا يمكن أن يزداد عدد الإصابات بشكل كبير في وقت قصير، يقول القراط: “لم نبدأ بحملة التلقيح بعد بسبب تأخر وصول اللوجستيات (الشحنات) وإن بدأت فإن كمية مليون و702 ألف جرعة غير كافية لتلقيح كل سكان شمال غرب سوريا. ولذلك نحن بحاجة للإسراع والقيام بحملة التلقيح في أقرب وقت ممكن”.
وفي هذا السياق أيضا قالت الطبيبة بارنيان بارفانتا، نائبة رئيس فرع منظمة أطباء بلا حدود في ألمانيا “في ظل نقص المياه النظيفة والمرافق الصحية، فإن انتشار الكوليرا من جديد على سبيل المثال أمر ممكن. كما شهدنا ذلك من قبل في المنطقة”.
الكوليرا والتيفوئيد هما الأكثر انتشارا
أما أبرز الأمراض التي يمكن ان نتنشر في مناطق الأزمات جراء الحروب والكوارث الطبيعية، فهي:
الإسهالات والأمراض المرافقة لها مثلالكوليرا والتيفوئيد، التي تنتشر عبر المياه الملوثة. وهي الأكثر انتشارا في مناطق الأزمات.
الملاريا وحمى الضنك التي ينقل البعوض عدواها، ويزاد خطر الإصابة بها في مناطق الفيضانات.
التهاب الكبد الذي يمكن أن ينتشر عبر البراز، في ظل الظروف الصحية السيئة.
كورونا والانفلونزا وغيرها من الأمراض التي تصيب الجهاز التنفسي عبر استنشاق الهواء، وغالبا ما تنتشر في مراكز الإيواء المكتظة مثل الصالات الكبيرة والخيام.
هذا ويصعب التنبؤ بحجم ومدى خطورة انتشار الأمراض في مناطق الأزمات، إذ يتعلق الأمر بسياق انتشارها، تقول بارفانتا، وتضيف لـ DW “في شمال غرب سوريا كانت الرعاية الطبية والظروف الصحية سيئة جدا حتى قبل وقوع الزلزال”. ومن هنا فإن الأمر يرتبط بشكل وثيق بالظروف السائدة في المنطقة، مثل: مدى توفر البينة الصحية وعدد الناس الذي تضرروا بالأزمة، وقبل كل شيء مدى سرعة وصول المساعدات إلى المنطقة المنكوبة.
تأمين المياه النظيفة أولا
وتحاول منظمات الإغاثة في المنطقة منع أو وقف انتشار الأمراض المعدية. وأهم إجراء يمكن اتخاذه في هذا السياق هو تأمين المياه النظيفة حسب الخبيرة الصحية بارفانتا: “هذا شيء أساسي. وأصلا إمدادات المياه والصرف الصحي غير كافية في شمال غرب سوريا، وقد دمرها الزلزال بشكل كبير” وتضيف بأن الناس قد “أجبروا على استخدام مياه الأنهار” هناك. ولذلك فإن فرق منظمة أطباء بلا حدود تقوم بتوزيع مياه الشرب النظيفة وبتركيب خزانات المياه في مراكز الاستقبال بالمنطقة.
وإلى جانب تأمين المياه النظيفة تعتبر الإجراءات التالية أيضا مهمة لمنع انتشار الأمراض والأوبئة في مناطق الأزمات:
تأمين المرافق الصحية ودورات المياه
تصريف مياه الصرف الصحي بشكل آمن
توزيع مواد التنظيف مثل الصابون ومواد التعقيم
تأمين الأدوية والمواد الطبية الضرورية
إقامة مستشفيات ميدانية متنقلة لمعالجة المصابين بسرعة
عدم إهمال الأمراض الأخرى
علاوة على انتشار الأمراض المعدية، فإن الحروب والكوارث الطبيعية، يمكن أن تؤدي إلى إهمال معالجة ورعاية المصابين بأمراض أخرى مزمنة مثل السكري وأمراض الرئة بما يكفي، كما تعتبر رعاية الرضع والنساء الحوامل مشكلة في تلك المناطق. إضافة إلى أن حملات التلقيح ضد الحصبة وشلل الأطفال غالبا ما تتباطأ أو تتوقف في أوقات الأزمات.
وهذا يؤدي إلى تراجع عدد الذين تتم حمايتهم وتحصينهم ضد هذه الأمراض، وبالتالي تزداد حالات إصابتهم. “في المناطق التي يوجد فيها عدد كبير من النازحين يزداد خطر انتشار مرض الحصبة” تقول الطبيبة بارفانتا.
ومثلما هو مهم تأمين المساعدات في مناطق الأزمات، فإنه من المهم جدا الإسراع بإعادة بناء البنية التحتية الضرورية مثل المستشفيات والمراكز الصحية وعيادات الأطباء.
عذراً التعليقات مغلقة