لو نطقت الكلمات ذات يوم، فستشتكي لخالقها من استغلال الناس جميعاً لها، من الأطفال إلى السياسيين وكبار حيتان المال والعلوم والفكر حول العالم، وعندها ستكون كلمة “حرية” في صدارة تلك المفردات.
حين تقرأ كتاباً عن الـ500 عام الماضية من عمر الولايات المتحدة الأميركية ستعثر على كلمة “حرية” تتكرّر بين السطر والآخر. وحين تشاهد فيلماً عن بطولات الرئيسيْن جيفرسون ولينكولن ستتعثّر بكلمة “حرية” كلما خطوت خطوتين في “العالم الحر”.
وفي الشرق والغرب، وقبل أن نصل إلى عصر الديجتال، كانت كلمة “حرية” أكثر البضائع رواجاً عند المستهلكين، ومن ينسى آخر صيحة في قصة ويليام والاس الشهير والفيلم الذي قدّمه عنه ميل جيبسون “قلب شجاع” الذي أعاد إحياءه كأيقونة عالمية؟
ولعلّ سؤال عمر بن الخطاب الحادّ والواضح “متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً؟” كفيل بتفسير متى عرفنا نحن معنى “الحرية” ومنذ متى نبحث عنها. مع أن معنى العبودية لم يتغيّر، ما يحتّم ثبات معنى نقيضها.
وبالرغم من أننا في عصر ما بعد العولمة، وفي شطر من عصر الديجتال ذاته، مازالت تلك الكلمة تحافظ على قيمتها في السوق.
انتبه.. هذ الموبايل الجديد يتيح لك “حريّة” كذا وكذا. وهذا الجهاز اللوحي يمنحك “حرية” التنقّل، وهذه اللعبة الافتراضية فيها “حريّة” سرقة سيارة من تشاء وحرق بيت صاحبها، لا مشكلة فأنت تجلس في بيتك أمام شاشتك ولا قانون يحاسب أحداً.
قبل أيام طرحت الشركات الحرّة في السوق الحرّة، ممثَّلة في بالمر لاكي مؤسس شركة أوكيليوس، نظارة جديدة مصممة لقتل اللاعب الذي يستخدمها، وذلك في حالة موته ضمن اللعبة الافتراضية التي يلعبها.
في لعبة لاكي المميتة هذه، لا يستطيع الأبطال الخروج من العالم الافتراضي الذي تدخلهم فيه اللعبة، وقد تمت برمجتها على قتل اللاعب قتلاً حقيقياً إذا هو خسر في اللعبة.
كيف ذلك؟ تم حشو النظارة بثلاث قنابل صغيرة عند الجبهة في منتصف الرأس، وهذه القنابل ستنفجر على الفور في حال الخسارة، بعد أن يشاهد على الشاشة عبارة “انتهت اللعبة” لمدة ثانية واحدة، قبل أن تنفجر عليه النظارة.
قبل أن تخرج من هذه الزاوية تذكّر أن لاكي هذا هو الذي أطلق نظارات “في آر” التي اشترتها منه شركة فيسبوك بقيمة ملياريْ دولار، لتتكامل “حريّة” السوشيال ميديا.
“التكنوحرية” هي النسخة الأخطر من نسخ الحرية السابقة، والتي لم تقف عند آفاق في يوم من الأيام، واليوم بدأت الأمور بنظارة. ولا نعرف إلى أين ستصل. ليبقى التعريف الأعظم للحرية حائراً بين “وَعْي الضرورة” و”رفاهية أن تفعل ما تشاء” التي تعيدنا إلى الهمجية.
عذراً التعليقات مغلقة