بعد معاناة طويلة مع المرض الذي ألزمه الفراش، توفي اليوم الاثنين، في العاصمة القطرية الدوحة، الشيخ يوسف القرضاوي عن 96 عاما، وهو مؤسس والرئيس السابق للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.
ويعتبر الشيخ القرضاوي أحد أبرز علماء الشريعة في العالم الإسلامي في العصر الحديث، واشتهر بتبنيه منهج مدرسة التيسير والوسطية القائمة على الجمع بين مُحْكَمات الشرع ومقتضيات العصر.
ميراث الإصلاحية الإسلامية
يوصف الشيخ الراحل يوسف القرضاوي بأنه وريث مدرسة الإصلاحية الإسلامية، وفي كتابه “يوسف القرضاوي فقيه الصحوة: سيرة فكرية تحليلية” كتب الأكاديمي والباحث في المنهجية والأخلاق معتز الخطيب أن الشيخ القرضاوي مثل نموذجا للدور التاريخي للعلماء الذين يجمعون النشاط النظري والعمل معا، “فهو لم يغادر الوعي التاريخي بدور العالم في الحياة والمجتمع، ففي حين انحسر الفقه عن الحياة العامة وتقلص دور العالم (الديني) في المجتمع بفعل عوامل عديدة، نجد القرضاوي يستصحب مرجعية الفقيه ودور المفكر المنشغل بقضايا الأمة، فنجده حاضرا في القضايا الكبرى، ومعبرا عن موقفه منها ومعبئا الجماهير لأجل ذلك”.
وتعرض يوسف القرضاوي للسجن عدة مرات لانتمائه إلى جماعة “الإخوان المسلمين”، إذ دخل السجن أول مرة عام 1949 في العهد الملكي، ثم اعتقل ثلاث مرات في عهد الرئيس المصري جمال عبد الناصر في يناير/ كانون الثاني سنة 1954، ثم في نوفمبر/ تشرين الثاني من السنة نفسها، حيث استمر اعتقاله نحو عشرين شهراً.
انتمى القرضاوي لـ”جماعة الإخوان المسلمين” وأصبح من قياداتها المعروفين، وكان يعدّ منظر الجماعة الأول، كما عرض عليه تولي منصب المرشد عدة مرات لكنه رفض، وكان يحضر لقاءات التنظيم العالمي للإخوان إلى أن تقاعد عن العمل التنظيمي للجماعة.
ألّف القرضاوي نحو 170 كتابا خلال مسيرته وحياته، وحصل على العديد من الجوائز العالمية، وكان ضمن قائمة أكثر عشرين شخصية تأثيراً على مستوى العالم، في استطلاع دولي أجرته مجلتا “فورين بولسي” الأميركية “وبروسبكت” البريطانية على التوالي، كما اختير في المرتبة الـ38 ضمن 50 شخصية مسلمة مؤثرة في عام 2009، وذلك بحسب كتاب أصدره المركز الملكي للدراسات الاستراتيجية الإسلامية (مركز أبحاث رسمي في الأردن)، حول أكثر 500 شخصية مسلمة مؤثرة.
وبرز للشيخ الراحل موقفه من ثورات الربيع العربي، حيث قال القرضاوي في مقابلة صحافية أجريت معه عام 2017 على قناة “الجزيرة”، إن “العالم المسلم هو جزء من أمته ولا يجوز أن يكون العالم في واد والأمة في واد آخر.. مهمة العالم أن يبعث الأمة ولا يتركها فريسة للذئاب والحكام المستبدين؛ ولذلك كان لا بد أن نتجاوب مع الأمة عندما بدأت ثورات الربيع العربي”.
سيرة العالم الراحل
ولد يوسف القرضاوي في 9 أيلول/سبتمبر 1926 بقرية “صفت تراب” شمالي مصر، والتحق بمعاهد الأزهر الشريف فأتمّ فيها دراسته الابتدائية والثانوية، رغم ظروف اعتقاله في تلك الفترة، والتحق القرضاوي بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر ومنها حصل على “الإجازة العالية” عام 1953، وكان ترتيبه الأول، ثم حصل على ” الإجازة العالمية” مع إجازة التدريس من كلية اللغة العربية عام 1954 وكان ترتيبه الأول أيضا، وفي 1958 حصل على دبلوم معهد الدراسات العربية العالية في اللغة والأدب.
وفي 1960 حصل على الدراسة التمهيدية العليا المعادلة للماجستير في شعبة علوم القرآن والسنة من كلية أصول الدين، وفي 1973 حصل على الدكتوراه بامتياز مع مرتبة الشرف الأولى من نفس الكلية ببحث حول الزكاة وأثرها في حل المشاكل الاجتماعية.
عمل فترة بالخطابة والتدريس في المساجد، ثم أصبح مشرفاً على معهد الأئمة التابع لوزارة الأوقاف في مصر، ونقل بعد ذلك إلى الإدارة العامة للثقافة الإسلامية بالأزهر الشريف للإشراف على مطبوعاتها.
وفي عام1961 أعير القرضاوي إلى قطر عميدا لمعهدها الديني الثانوي، وفي سنة 1973 ترأّس قسم الدراسات الإسلامية بكليتي التربية للبنين والبنات نواة لجامعة قطر.
وفي 1977 تولى تأسيس وعمادة كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة قطر، وظل عميداً لها إلى نهاية العام الجامعي 1989 /1990.
وأعير من قطر إلى الجزائر في العام الدراسي 1990 /1991 ليترأّس المجالس العلمية لجامعتها ومعاهدها الإسلامية العليا، ثم عاد إلى عمله في قطر مديرا لمركز بحوث السنة والسيرة.
وكان القرضاوي ضيفا دائما على أحد أهم البرامج الدينية وهو “الشريعة والحياة” بقناة الجزيرة القطرية لسنوات طويلة.
كما شغل منصب رئاسة الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين عقب تأسيسه عام 2004 ليخلفه بعدها المغربي أحمد الريسوني عام 2018.
Sorry Comments are closed