إسلام أبو شكير*
لا نستطيع في حال من الأحوال أن نعزل الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب عن المؤسسة الرسمية العربية بكل ما تعانيه من قيود وأعباء وارتهانات لقوى تهيمن عليها، رغم أن الاتحاد وجد أصلاً بغرض حماية الكاتب العربي من تغوّل هذه القوى، وتوفير شروط دنيا من الحرية تكفل له التعبير عن رأيه من دون أن يخشى أي نوع من أنواع الملاحقة والاضطهاد.
وواقع الحال يشير إلى أن الاتحاد العام لم ينج من هيمنة النظام السياسي العربي، عبر تسليم الكيانات المكونة له إلى ناطقين باسم هذا النظام في حالات كثيرة، وخريجي أجهزته الأمنية ممن لا علاقة لهم بالكتابة أصلاً في حالات أخرى أكثر. لذلك بدا الاتحاد مؤسسة متكلسة تعيد نفسها دائماً، وغدت اجتماعاتها ومؤتمراتها مناسبات للمزايدات حول رداءة الزمن العربي، من دون أن يجرؤ أحد على تسمية الفاعل الذي يتحمل مسؤولية هذه الرداءة. وفي اجتماعات المكتب الدائم للاتحاد العام التي انتهت مؤخراً في دبي تحدث تقرير حال الحريات عن «تغليب مفهوم الدولة البوليسية على مفهوم دولة القانون والمؤسسات» و«زيادة عدد الموقوفين بقضايا تصنف ضمن حرية الرأي والتعبير وحرية التجمع»، و»اعتقال كتاب وأدباء ومدونين على خلفية اختلاف آراء لهم مع الرأي الذي تتبناه السلطة» و»إصدار قوانين تلزم الكاتب أو الناشر بعرض منتجه على الرقابة المسبقة» وجرائم أخرى كثيرة، لكنه لم يسمّ فاعلاً واحداً، ما جعل الأمر يدخل بالفعل في باب المزايدات التي تضحك أكثر مما تبكي. وفي تخصيص أكبر فقد كان من المفترض أن يكون ضمن جدول أعمال المجتمعين موضوع اتحاد الكتاب العرب في سوريا، وذلك بعد رسالة تلقاها حبيب الصايغ الأمين العام للاتحاد العام من صادق جلال العظم رئيس رابطة الكتاب السوريين، يؤكد فيها عدم شرعية تمثيل اتحاد دمشق للكتاب السوريين، تلتها رسالة أخرى يحيط فيها الأمانة العامة علماً بأن الرابطة أعدت ملفاً يثبت وجهة نظرها حول عدم مشروعية تمثيل الاتحاد المذكور، ويوثق ما يكفي من الانتهاكات والمخالفات التي ارتكبها مما لا يصح معه أن يستمر في موقعه تحت مظلة الاتحاد العام، ومن ذلك:
– قائمة بأسماء الكتاب المفصولين على خلفية مواقفهم وآرائهم السياسية والفكرية.
– قائمة بأسماء الكتاب المنسحبين من الاتحاد المذكور، مع بيانات أصدرها بعضهم، ويؤكدون فيها على أن هذا الاتحاد لم يعد يمثلهم بعد انحيازه ضد إرادة الشعب السوري في نضاله من أجل الديمقراطية والحرية.
– قائمة بأسماء الكتاب المعتقلين أو الذين تعرضوا للاعتقال.
– شهادات لكتاب تعرضوا للملاحقة، واضطروا إلى الهرب واللجوء إلى مناطق أخرى في شتى أرجاء العالم.
– بيانات أصدرها الاتحاد المذكور تثبت بوضوح لا لبس فيه تحوله إلى أداة للتحريض ضد الكتاب والأدباء، ومنها بيانه الشهير الذي دعا فيه «الجهات المعنية» إلى سحب الجنسية السورية عن كل من يخالف النظام، بدعوى الخيانة والعمالة.
– شريط فيديو فيه مقابلة أجرتها قناة «العربية» مع غزل رويلي ابنة الكاتب والروائي محمد رشيد رويلي الذي تمت تصفيته على أيدي القوات العسكرية السورية أثناء مداهمتها لدير الزور، تشرح فيه ملابسات العملية، وتثبت مسؤولية النظام كذلك عن إعدام الكاتب والروائي إبراهيم خريط ميدانياً مع ولديه، إضافة إلى تقرير مفصل بظروف وفاة الشاعر محمد وليد المصري في القصف الذي قامت به طائرات النظام على مدينته القصير، والصمت المدان الذي أبداه الاتحاد المذكور إزاء كل تلك الجرائم.
وأبدت الرابطة استعدادها لابتعاث أو تفويض من يمثلها لعرض مطلبها، سواء في هذه الاجتماعات أو في الاجتماعات المقبلة بعد ستة أشهر.
إن وثائق بحجم ونوعية ما تمتلكه الرابطة يكفي لا لحجب عضوية اتحاد دمشق، بل لاستنفار جميع من له صلة بالكتابة والعمل الثقافي والحقوقي والإنساني، سواء على مستوى الأفراد أو على مستوى المؤسسات للبحث في الظروف التي أدت إلى جعل فضيحة بهذا الحجم مستورة طيلة هذا الوقت، لكنها مرت كما لو أنها لا تعني أحداً من المجتمعين أكثر مما يعنيه نوع الطعام الذي يتناوله في الفندق مقرّ إقامته. وللإنصاف، وبصفتي متابعاً لجزء من أعمال هذه الاجتماعات، فقد كان ثمة إرادات لإثارة الموضوع، لكن حجم الاهتراء كان أكبر من تلك الإرادات، وسجلت الأطراف الناطقة بأسماء أنظمتها انتصاراً واضحاً، بتجاهل الموضوع كما لو لم يكن موجوداً، بل أضافت إلى ذلك تأكيداً علنياً لهذا الانتصار عبر الدفع بنضال الصالح رئيس اتحاد كتاب دمشق المتهم الأول في القضية إلى المنصة ليلقي البيان الختامي. والواضح أن نضال الصالح حاول أن يبرئ اتحاده بطريقة جبانة، ففي أحاديث جانبية على هامش الاجتماعات لم يتمكن من إنكار الاتهامات الموجهة إلى اتحاده، لكنه ألقى بالمسؤولية على سلفه حسين جمعة واصفاً إياه بأنه رجل المخابرات القذر المزروع في جسد الاتحاد، وأنه أساء إلى سمعة الاتحاد بسلوكه وارتباطاته، لكنه الآن (نضال الصالح) في موقعه لينظف الاتحاد، ويصلح كل ذلك الخراب. ويبدو أن البعض صدقه في ادعاءاته، لكن أحداً لم يسأله: طالما أن الأمر هكذا، فلم لا يصدر بياناً يوضح فيه حقيقة سلفه، ويكشف ما يعرفه عن ارتباطاته الأمنية، ثم يلغي جميع قراراته، ويتبرأ بالتفصيل من مواقفه المشينة، ويعلن بصراحة ووضوح أنه مع إرادة السوريين في التحرر من الاستبداد، وأنه لن يسمح لجهاز أمني بأن تكون له سلطة عليه؟
لن يفعل الرجل شيئاً من كل هذا بكل تأكيد، وأوضح دليل البيان الذي أصدره الصالح نفسه رداً على بيان الأمانة العامة في إدانة المجازر التي تعرضت لها حلب، فلغة نضال الصالح في بيانه، وشتائمه، واجتراره لمصطلحات النظام الذي يمثله تثبت أن ارتباطاته الأمنية أقوى من ارتباطات سلفه، ولا ضرورة طبعاً للعودة إلى تاريخ الرجل فالحديث في هذا يطول ويخرجنا عن موضوعنا. ورغم الانتصار الذي حققه مبعوث النظام السوري فقد باءت محاولاته بالفشل لاستصدار قرار باستضافة دمشق للاجتماعات المقبلة، بدعوى أن دمشق (آمنة)، ولم يذكر لأحد أن مخيم اليرموك جزء من دمشق، وأن المعضمية جزء من دمشق، وأن جوبر جزء من دمشق، فضلاً عن الزبداني ودوما وسواها، بحيث لا يبقى من دمشق سوى دائرة قطرها بضعة كيلومترات هي التي يفرض عليها نظامه أمنه، وبطريقته الخاصة طبعاً. وبالعودة إلى الاتحاد العام فإن انتقال أمانته العامة إلى بلد هو الآن في صدارة المشهد الثقافي العربي من حيث حيويته وانفتاحه واعتدال خطابه وقوة مؤسساته الثقافية فرصة لانتشال الاتحاد من حالة السقوط التي يعاني منها، وما يعول عليه أن لدى الأمانة العامة إرادة بهذا الاتجاه أعلنتها غير مرة، لكن الإرادة وحدها لا تكفي، فهي معركة لتحرير هذه المؤسسة من كل ما علق بها عبر تاريخها، وقد تكون الخطوة الأولى بإعادة هيكلتها من جديد، مع اعتبار فكرتي الحرية والحقيقة هما الجوهر، وما عداهما تفاصيل.