تعرضت سيدة سورية تدعى ليلى محمد تبلغ من العمر ٧٠عاما لاعتداء عنصري من شاب تركي وتلقت ركلة على وجهها بتهمة “خطف الأطفال” في ولاية غازي عنتاب التركية.
تحولت هذه الحادثة إلى حملة تضامن واسعة على وسائل التواصل الاجتماعي من السوريين وبمشاركة ناشطين أتراك رفضا لتصاعد العنصرية ضد اللاجئين السوريين التي وصلت لكبار السن بهذه الحادثة المؤسفة، وهو تضامن ضروري ومهم وفي الاتجاه الصحيح ولكن يعيد إلى الواجهة السؤال الأهم … متى سننتقل من ردود الأفعال إلى الفعل؟
خلال عشر سنوات قام السوريون بحملات مناصرة كثيرة ولكنها تتسم جميعها بآنها آنية كرد فعل على أحداث جسيمة كحملة (حلب تحترق) أو بالحوادث الفردية كالحالة التي نشهدها اليوم ، وثم ماذا يحدث؟ نعود للتأقلم مع الواقع الراهن بكل تفاصيله حتى تتصدر الواجهة حادثة إنسانية تهز إحساسنا بالظلم لننفجر من جديد بحملات إعلامية تنفس بعض غضبنا وربما تحل بعض القضايا الفردية كحادثة اعتقال الصحفي في (أورينت) بعد حادثة الموز الشهيرة التي تعرض فيها اللاجئون السوريون أيضا لموجة كبيرة من العنصرية.
وأنا على يقين أن كل سوري وسورية يتساءلون أحيانا عن جدوى هذه الحملات وماذا يمكن أن تؤثر في حل عدد هائل من المشاكل التي يتعرض لها السوريون ليس في تركيا فقط بل في الداخل السوري ودول الجوار، التي يعيش فيها ملايين السوريين في غياب أي أفق لحل سياسي، يحل المشكلة من أساسها ويعيدهم إلى بيوتهم التي خرجوا منها هربا من الموت وحياة الذل التي كانت سببا مهما في مغادرة الكثير منهم سوريا تحت حكم الأسد.
بالتأكيد الحملات الآنية غير المدروسة والتي تقوم فقط كرد فعل على حادثة تخفي خلفها عشرات الحوادث المماثلة والتي لا يرافقها حل قانوني عادل لن تؤدي مهمتها بإيجاد حل ينهي السبب المؤدي لها ويمنع تكرارها.
وبالتالي نعود من جديد لسؤال ماذا يمكننا أن نفعل؟ وهل لم نعد نملك أي قدرة على تغيير الواقع الكارثي؟ أو على الأقل التخفيف منه؟
للإجابة على هذا السؤال يجب أن نعرف أولا هل هناك جهة تمثل السوريين؟ ومن هي هذه الجهة؟ وماهي شرعيتها؟ وهل تقوم بمهامها أم لا؟
بالنظر إلى الواقع الحالي الجهة الشرعية المعترف بها بالنسبة للمجتمع الدولي كهيئة سياسية تمثل المعارضة هي (الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية) والذي للمفارقة تتواجد مكاتبه في تركيا، الدولة التي يتعرض فيها أكبر عدد من اللاجئين السوريين والذي يقارب ٤ مليون لاجئ ولاجئة، لحوادث عنصرية كثيرة خلال السنوات الأخيرة وازدادت بشكل ملحوظ مع اقتراب الانتخابات التركية، التي تقوم فيها الأحزاب المعارضة التركية بعمل ممنهج ضد اللاجئين السوريين واستخدامهم كورقة انتخابية من خلال تأجيج الشارع التركي عليهم واتهامهم بكل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي تعاني منها تركيا بالفترة الأخيرة، من تضخم وارتفاع معدل البطالة والتسبب بزعزعة الاستقرار الاجتماعي بحجة الاختلاف الثقافي بين شعبي البلدين.
تشويه للحقائق واتهامات كثيرة تعرض لها اللاجئون دون أي تحرك سياسي من الجهة التي تقدم نفسها كجهة ممثلة عنهم ومدافعة عن حقوقهم، بل على العكس، نلاحظ أن عددا كبيرا من أعضاء الائتلاف في مواقف كثيرة ذهب إلى تحميل اللاجئين الجزء الأكبر من المسؤولية بحجة “عدم الاندماج” وروجوا لأفكار تهين الكرامة كتداول عبارة (يا غريب كون أديب).
تحت هذه العبارة أصبح السوري الذي لا يتعرض بالصدفة لمواقف عنصرية بإلقاء التهم على الأخرين بافتعال المشاكل والترويج لصورة سلبية عن باقي السوريين ممن يعيشون (بحالهم) وقادرين على التأقلم أكثر من غيرهم مع المجتمع التركي.
يوما بعد يوم أصبح الهم العام إلى “شخصي”، وكل فرد يحاول أن يحل مشاكله بنفسه بعيدا عن أي هيئة جامعة تحاول مواجهة التحديات والصعوبات والتجاوزات كمشترك جمعي يعاني منه أغلب السوريين بدرجات مختلفة وهي إحدى النتائج المباشرة لتخلي الجهة الممثلة الشرعية المسؤولة عن الدفاع عن حقوقهم عن واجباتها.
وبالمحصلة لا يمكن لأي فرد أو مجموعة صغيرة أن تؤثر وتغير بالواقع بدون جهد جماعي وعمل دؤوب وممنهج يبقي صوت الحق مسموعا ويجبر ساسة البلد المضيف على التفكير جديا بحل المشاكل العالقة، ولن يكون رد فعل الحكومة أكثر من رد فعل على أي حادثة تثير زوبعة إعلامية صادمة كحادثة ركل السيدة اليوم وستنتهي بزيارة والي غازي عنتاب وزوجته لها في المشفى والإعلان عن التحقيق في الواقعة واعتقال المتهم بهذا الفعل العنصري (وهو رد فعل يسقط المسؤولية الأخلاقية والقانونية عن الحكومة التركية) ويغلق الملف برد اعتبار فرد وتنام قضايا الآلاف من جديد.
بالعودة لإعلان اردوغان عن خطة لإعادة مليون لاجئ سوري بشكل طوعي إلى الشمال السوري بعد الانتهاء من بناء مساكن لهم، بغض النظر عن موقفنا من هذه الخطة، دعونا نفكر بنجاح الخطة، ولنفترض نجاح عودة مليون لاجئ، وماذا عن الملايين المتبقية منهم في تركيا؟ ماذا سيحل بهم؟ هل ستتوقف هذه الحوادث ضدهم؟ خصوصا إذا انتهت الانتخابات بوصول المعارضة السياسية الرافضة أصلا لتواجدهم على أراضيها؟
ليس أمامنا حل سوى العمل معا لرفض الهيئة السياسية التي تفرض علينا وصاية غير شرعية وإيجاد بديل وطني يحل محل الائتلاف الذي يبتعد يوما بعد يوم عن نبض الشارع وآلامه، وتحول لهيئة سياسية وظيفتها إتمام مشاريع دولية لا تصب بمصلحتنا.
حملات التضامن مطلوبة على طول الخط اليوم وغدا وبالتزامن مع كل موقف يتسبب بمزيد من الذل للسوريين والسوريات ولكن الخطوة الحقيقة تبدأ بالعمل على إيجاد بديل آخر يتحمل مسؤولياته ليس في تركيا فقط بل في الداخل السوري وكل دول الشتات، ويؤسس لمرحلة جديدة قادرة على إقناع المجتمع الدولي بإيجاد حل جذري للقضية السورية بإزاحة الأسد عن السلطة والبدء بمرحلة انتقال سياسي يحل المشاكل تباعا بما تمليه المصلحة السورية البحتة.
عيوننا إلك يا أمي.. سلامتك يا خالة
هدى أبو نبوت
عذراً التعليقات مغلقة