ليس مستغرباً أن تقوم الدراما المصرية بصناعة مسلسل درامي سياسي عملت من خلاله على تجسيد الشخصيات المصرية الرائدة إبان انقلاب عبد الفتاح السيسي على الرئيس الراحل محمد مرسي في الثالث من تموز/يوليو عام 2013 وتزييف الوقائع التي لم يمض على مرورها سوى سنوات قليلة، لطالما أن الدراما العربية بشكل عام والمصرية بشكل خاص هي جزء من المنظومة المخابراتية التي تعمل بتوجهات الأنظمة العربية الديكتاتورية.
ليس الهبوط الأول من نوعه في الدراما المصرية، ففي ستينيات القرن الماضي بدأت الدراما المصرية بضخ وإنتاج أفلام هابطة بهدف إلهاء الشعب المصري عن الأسباب التي أدت إلى حدوث نكسة حزيران عام 1967 واحتلال إسرائيل لسيناء، فالدراما المصرية الطافحة بالانحلال والفجور هي نفسها اليوم تقوم بتزوير التاريخ لأهم حقبة زمنية في تاريخ مصر الحديث، وهي الأحداث التي جرت إبان الثورة المصرية التي كان من أهم نتائجها انتخاب الرئيس محمد مرسي الذي تولّى مهام منصب رئاسة جمهورية مصر في 30 يونيو/حزيران عام 2012 بعد أدائه اليمين الدستورية.
“الاختيار3”.. مسلسل درامي سياسي لم يخفِ انتماءه الأحادي، حوّل التراجيديا السوداء التي عاشها المصريون إبان الانقلاب على الإرادة الشعبية بعد ثورة يناير إلى كوميديا مضحكة، عندما طمست أحداث المسلسل بحلقاته الأولى بكلّ وضوح الحقائق وضلّلت الأحداث التي جرت في تلك الحقبة الزمنية في تاريخ مصر، فعمد صنّاع المسلسل المخابراتي إلى سرد الوقائع كما يشتهي لعاب السيسي المسال على السلطة.. فأظهروه وكأنه أرسل بمهمة نورانية رسولية لإنقاذ مصر وتحييدها عن مخططات الرئيس الشرعي المنتخب الساعي لإحداث فتنة ستشعل مصر عن بكرة أبيها وهو ما يوارب الحقائق على الأرض جملة وتفصيلاً، فالرئيس محمد مرسي انتخبه الشعب المصري وعبد الفتاح السياسي أحاك له المؤامرات ثم قاد انقلاب ضده.
عند التعمق في جزئيات المسلسل المخابراتي “الاختيار 3” الذي تعرض لانتقادات كثيرة بأغلبيةٍ في الرأي العام العربي والمصري، يبدو واضحاً محاولته تهيئة الأسباب وصناعة الذرائع لحدوث انقلاب عبد الفتاح السيسي من خلال قيامه بتوظيف وشيطنة بعض التصرفات الطبيعية للرئيس كإظهار مخاوف وقلق الأقباط المتزايد من حكم الرئيس محمد مرسي مستشهدين بعدم حضوره لأحد الأعياد المسيحية وقيامه بإرسال من ينوب عنه.
ختاماً، إن المسلسل لم يحقق أهدافه الإقناعية للمصريين في شرعنة الانقلاب على الشرعية الرئاسية، فمن رأى الواقع بعينه وسمع إطلاق الرصاص من نظام السيسي على المتظاهرين العزل في ميدان رابعة العدوية في 14 أغسطس/آب عام 2013 عندما قامت قوات الشرطة والجيش بقتل ما يزيد عن ألف شخص من المعتصمين المناهضين للانقلاب، لن يقتنع بسردية المسلسل المنافية للحقيقة ولن ينخدع بنظرات الممثل ياسر جلال الثاقبة والممتلئة كبرياء وقوة في المسلسل، فهي بعيدة البعد كله عن نظرات عبد الفتاح السيسي الساذجة، فربّما لو انتظر صناع العمل حتى وفاة السيسي لكان حظهم أوفر في اقناع الناس، أما الآن فالسيسي الحقيقي موجود على الأرض بحديثه ونظراته وتصرفاته ومشانقه ودماء المعتصمين في رابعة لم تجف بعد، فأي مقارنه سيجريها المتابعون مع السيسي الملائكي في المسلسل لن تكون لصالح اقناع الجمهور.
عذراً التعليقات مغلقة