حرية برس
لربما كان الأنسب أن تخفف من وطأة عملك على علامات التبويب المتعددة في متصفح الإنترنت لديك؛ ﻷن البشر، بحسب علماء الأعصاب، لديهم كمية محدودة من الطاقة، ولأن الانتقال من مهمة إلى أخرى، يستنزف هذه الطاقة أسرع فأسرع.
وتشير البحوث أنه حين نمارس “تعديد المهام” multitasking، فإن إتمام هذه المهام المتعددة ما هو في الحقيقة إلا خرافة؛ لأننا نقوم بالمهام واحدة تلو الأخرى، ولا يكون هذا أمرًا فعّالًا عندما نقفز ما بين المهام كثيراً.
و قد صرّح عالم الأعصاب السلوكي دانيال ليفيتين Daniel Levitin من جامعة ماك غيل McGill University في كندا، لأوليفيا غولدهيل من كوارتز Quartz : “يأتي تبديل المهام بتكلفة بيولوجية، حيث ينتهي بنا المطاف بأن نشعر بالتعب أسرع بكثير مما إذا كان علينا تركيز الانتباه على شيء واحد”.
و تشير الدراسات إلى أننا نخفض نسبة الإنتاج بما يصل إلى %40 بتبديلنا بين المهام، بدلاً من مجرد الانتهاء من مهمة والانتقال إلى التالية، و حتى أن هناك أدلة بأن هذا التبديل يُسبب ضررًا دائمًا في الدماغ.
السبب في حدوث هذا هو أن التحول المستمر يستخدم الغلوكوز المؤكسج في الدماغ، مما يتسبب بشعورنا بتعب أكثر وقدرة أقل على إنجاز المهام الأكبر التي نحتاج عادةً للقيام بها، فيستخدم الدماغ الغلوكوز لتغذية جميع أنشطته الخلوية، ولا تستطيع الخلايا العصبية تخزين احتياطيات إضافية مما يعني أن كمية الغلوكوز محدودة وقد تنفد، ولن يسمح لها الجسم أن تنفد، لأنها لو نفدت ستُعيق الاتصالات العصبية.
و بالرغم من شعورنا بالتعب نستمر بتعديد المهام، لأن تعديد المهام نفسه يصبح إدمانًا.
و يشرح ليفينتين في عموده الخاص بصحيفة ذي غارديان The Guardian: “يخلق تعديد المهام حلقة تغذية راجعة بين الدوبامين والإدمان، مكافئاً الدماغ جيدًا لفقدانه التركيز وبحثه المستمر عن مؤثر خارجي. والذي يزيد الأمر سوءاً أن مقدمة جبهة قشرة الدماغ تتميز بتحيز لكل ما هو جديد، بمعنى أنه من السهولة لفت انتباهه لكل شيء جديد”.
وهناك أيضاً أدلة على أن المعلومات المستفادة عند القيام بعدة مهام تذهب إلى “الجزء الخاطئ من الدماغ”، ولا يتم تخزينها كما ينبغي.
فما الحل إذاً؟ إن الترياق للدوران العقلي الدائم قد يكون تركيز الانتباه بشكل متروٍّ أكثر على هذه المهام، وأخذ أقساط من الراحة على فترات نستطيع فيها الذهاب لأحلام اليقظة والتساؤلات الفكرية.
أظهرت التجارب أن أخذ راحة لمدة 15 دقيقة كل بضع ساعات يجعل إنتاجنا أكثر، ولكن إذا لم يكن لدينا الوقت لذلك فإنه من الأفضل الإسراع إلى النافذة والتحديق من خلالها خارجًا بدلًا من تفقد حساب الفيس بوك، لأننا بفعل هذا سنشتت سعة انتباهنا أكثر.
تقول عالمة النفس غلوريا مارك Gloria Mark من جامعة كاليفورنيا في إيرفين Irvine : “ينبغي أن نتخلى تماماً عن تعدُّد المهام ونلغي الأوقات المخصصة لكل مهمة، بعبارة أخرى لدينا 10 دقائق لتفقد حساب التويتر في الصباح وهذا سيكون الوقت المخصص لنا حتى اليوم التالي”.
ولكن هناك بعض الأدلة على أن تكرار مهمة ما مرارا وتكرارا يجعلنا أفضل في تأديتها جنباً إلى جنب مع المهام الأخرى.
وجدت دراسة أجراها باحثون في جامعة كوينزلاند University of Queensland في أستراليا عام 2015، أن أداء الناس بعد تدريبهم على القيام بأمور محددة في نفس الوقت قد حسن من أداءهم في هذه المهام مع بعضها (تعديد المهام بالنسبة لهذه الأمور التي دُرِّبوا عليها قد تحسن)، و لكن النتيجة أن العلماء لا يزالون غير متأكدين ما إذا كان هذا التدريب المركّز سيساعدنا على تحسين تعديد المهام خارج نطاق البحث أم لا.
يمكن أن يكون أحد الطرق لتعزيز تعدد المهام الخاصة بنا هو تعلم العزف على آلة موسيقية، فقد وجدت دراسة كندية أجريت عام 2014 أن براعة تبديل المهام المطلوبة لتعلم عزف الموسيقى، قد يُدرِّبنا لنصبح أفضل في تبديل مهام أخرى أيضاً.
وفي نهاية المطاف ربما علينا العمل على مهمة واحد فقط في كل مرة إذا كنّا نريد أن نكون على أكبر قدر ممكن من الكفاءة، وللحصول على رضى أكثر علينا محاولة التفكير بالذي أنجزناه بعد إتمام المهام، حتى لو كان هناك مهام أخرى علينا إنجازها.
المصدر:ناسا بالعربي
عذراً التعليقات مغلقة