في حوار أُجري معه في “تلفزيون سوريا” يوم 25 من نيسان الماضي، استطاع السيد معاذ الخطيب أن يقول إن بعض الناس سخطوا على “جيش الإسلام” لأنه يتضمن الإسلام في اسمه، ولو كان اسمه الجيش الماركسي لقبلوه وبرروا له. لم يسمِّ الخطيب، الذي كان رئيساً للائتلاف السوري المعارض، أحداً بالاسم، لكن كاتب هذه السطور يشعر أنه معني بهذه الكلمات أكثر من غيره، وذلك لأسباب معلومة يتقاطع فيها اتهامي للتشكيل المذكور بجريمة خطف زوجتي وأصدقائي المستمرة منذ نحو سبع سنوات، ونصف مع كوني معتقلاً سياسياً سابقاً كشيوعي معارض. ثم لأن في تقديم التباين الإيديولوجي كسبب للاعتراض على سلطة أمر واقع، ما يشير إلى إرادة تستر على جرائم ارتكبها التشكيل لا يعقل أن الخطيب لا يعرف عنها شيئاً. معلوم أن تلك السلطة حرصت أول ما حرصت على بناء سلسلة من السجون التي كان يمارس فيها التعذيب، وأنشأت جهاز حسبة كان يترصد سماع الموسيقا أو اختلاط الجنسين، ومارست التفتيش على الضمائر، وحرض شرعيه سمير كعكة على قتل أسامة نصار الذي كان يعمل في مجلة “طلعنا عالحرية” بعد إثارة زوبعة تفتيشية حول مقال نشر فيها، وهو نفسه كان أمر حسين الشاذلي، أحد أمنيي التشكيل نفسه، بكتابة تهديد بالموت لرزان قبل شهرين ونيف من اختطافها، وكان في محصلة خمس سنوات عاصفة من سلطته قوة حرب أهلية في الثورة السورية.
معاذ الخطيب يعرف ما نأخذه نحن، جماعة الجيش الماركسي المزعومين، على جيش الإسلام: خطف سميرة الخليل ورزان زيتونة ووائل حمادة وناظم حمادي، وربما قتلهم. ولدينا من القرائن القوية ضد التشكيل المذكور ما ليس لدينا ضد غيره، وما هو متاح للعموم، فلا يستطيع من يكرر الدفاع عن جيش الإسلام مثل معاذ الخطيب أن يدّعي عدم العلم بها. وكنا، فضلاً عن إيراد القرائن، دعونا إلى تحكيم علني مع جيش الإسلام وقت كان زهران علوش في إسطنبول في ربيع 2015، يستقبله نظراء معاذ الخطيب بالأحضان، ولم يستجب التشكيل السلفي، ولا شهد معاذ الخطيب وأشباهه شهادة حق بخصوص هذه الدعوة التي ورد في نصها أنها توفر لجيش الإسلام فرصة كي يبرئ نفسه؛ كنا كذلك كتبنا للمجلس الإسلامي السوري، والخطيب عضو فيه، نلتمس العون، فتهرب منا رئيسه، ووعدنا مدير مكتبه بالاتصال بنا فأخلف الوعد؛ ثم إننا كتبنا لجيش الإسلام نفسه رسالة سلمت باليد لأحد قادته، ووعدنا وقتها (2016) برد قريب، وأخلف الواعد الوعد مرة أخرى. هذا كله معلوم لمن يريد أن يعلم، ويسهل التيقن منه. لسنا إذاً من يلام إن أصر الخطيب على اتباع هواه، وتحويل مشكلة أخلاقية وحقوقية وسياسية إلى مشكلة إيديولوجية، ماركسية مقابل إسلام. هل يعتقد حقاً أنه يمكن أن نتهم تشكيلاً إسلامياً بخطف أحبابنا لمجرد أنه إسلامي؟ هل يخادع نفسه إلى هذه الدرجة؟ لا ريب أن معاذ الخطيب يعرف أن رزان زيتونة دافعت كمحامية عن معتقلين سلفيين قبل الثورة السورية، مبرهنة على أن الحق في العدالة يتجاوز التمايزات العَقَدية. سميرة الخليل، التي يستحسن بالخطيب أن يقرأ كتابها “يوميات الحصار في دوما 2013” كي يقارن بين ضميرها وضمير من يدافع عنهم، وربما ليتفحص ضميره هو، سميرة المغيبة مع رزان لم تكن تشرط العدالة بشروط إيديولوجية أو دينية مثل جماعة الولاء والبراء الذين يدافع عنهم. وبالمناسبة، ليت الخطيب يقارن بين كل من كتاب سميرة وكتابات رزان وبين كتاب “شرعي” جيش الإسلام سمير كعكة عن الولاء والبراء، ليستطيع الخروج بشيء ما عمن يمثل الضمير في صراعنا السوري، ومن يمثل الأنانية والطائفية والتوحش. لكن هل نحتاج بالفعل إلى المقارنة بين كتابات وكتب، بينما نتكلم على تغييب قسري منذ سبع سنوات ونصف، وربما على قتل امرأتين ورجلين كانوا لاجئين ملهوفين في دوما، وهذا مع ترجيح شديد لضلوع شخصي ومباشر من قبل “الشرعي” كعكة في هذه الجريمة؟
الخطيب الذي يكرر التضامن مع القوي المعتدي وليس الضعيف المعتدى عليه لا ينكر أن الجماعة ارتكبوا “أخطاء”، لكنه يشهد أنهم تغيروا. حتى إن “المتغير” زهران علوش قال له “لا نريد إلا ما تتقاطع به الأديان الثلاث”! يا سلام! في أي شيء هذا جيد أو عادل؟ ماذا كان يريد زهران قبل أن يتغير؟ قتل جميع غير المسلمين؟ ومن يا ترى لديهم مشكلة مع الآخرين بسبب تفكيرهم المختلف، إن كان زهران بعد أن تغير صار جل ما يقبل به هو “ما تتقاطع به الأديان”؟ وبم تتقاطع الأديان؟ بالمناسبة، في غير أنها لن ترضى عنك إلا إن اتبعت مِللها؟
المشكلة ليست في الجيش الماركسي المزعوم الذي عدا أنه لم يرتكب أي جريمة، فإنه غير موجود، بل في إرادة الإسلاميين فرض حكم إسلامي لا نعرف نموذجاً واحداً عادلاً أو عاقلاً له؛ نماذجه المعروفة كلها أسدية إسلامية، طائفية مثل الأسدية، وقاتلة مثلها وفاسدة مثلها. زهران طاغية مثل الأسديين، فوق أن تشكيله عرض تمرغاً في الفساد خلال زمن قياسي في قصره. لا شك أن الخطيب يعرف قصة المليون دولار التي كان يريدها “كبير المفاوضين” (يا للعار!) محمد علوش حصة لتشكيله. ولا ريب أنه يعرف كلام البويضاني عن أنهم يتحركون أو لا يتحركون ضد النظام بحسب ما إذا دُفع لهم أم لا. وإذا كان لدى رئيس “حركة سورية الأم” مزيد فضول، فلعله يحاول معرفة شيء عن سبيّتي زهران علوش، وهما أسيرتان من عدرا العمالية، شابتان، كان يغتصبهما بطله في أحد أقبيته المحصنة في دوما.
كان النظام وإيديولوجيوه يفسرون مواقف المعارضين الأصلب بواحد من دافعين: إما الحقد الشخصي أو الكراهية الطائفية. هذا تغييب للمضمون السياسي للمعارضة، وإنكار وجود قضية وجيهة لدى المعارضين. معاذ الخطيب من الصنف نفسه، يحيل مشكلتنا مع تشكيل كانت لديه مؤسسة أمنية اسمها التوبة، ولديه سجن اسمه الكهف وآخر اسمه الباطون وسجون أخرى سرية…، إلى مشكلة إيديولوجية يتحمل مسؤوليتها شيء اسمه الماركسية. هذا يبدو كلاماً قادماً إلينا من ستينات أو سبعينات القرن العشرين، وليس بعد عشر سنوات ونيف من الثورة السورية وبعد جرائم لا تحصى من الإسلاميين مقابل صفر جرائم من قبل الماركسيين المزعومين. فوق ذلك كيف يشكو من غلبة الهوى الإيديولوجي على غيرهم من عملوا بكل قواهم على أسلمة الثورة، بما في ذلك بالخطف والقتل وتأجير النفس كعملاء لقوى أجنبية؟
لا يسرني أن أعلق بغضب على معاذ الخطيب أو غيره. يُصغِّر المرء نفسه بالرد على متعصب لا يكتفي بالدفاع عن مافيا دينية أساءت مع أخواتها في الرضاعة لدين المسلمين أكثر مما كان يمكن لأي جيش ماركسي أو غير ماركسي أن يفعل، وإنما هو يهاجم بضغينة أولئك الذين لديهم مشكلة مع المافيا السلفية. نحن لدينا قضية معلومة مع المافيا، فصلناها مراراً وتكراراً، ما هي قضية هذا السيد؟ إن ما أظهره معاذ الخطيب من قدرة على قلب الحقائق حيث يصير الضحايا المعتدى عليهم في حريتهم وكرامتهم وأعراضهم وحياتهم كيديين ومعتدين، بينما يصير الجناة ضحايا سخط غير شرعي للجيش الماركسي غير الموجود، هذا المستوى من قبل الحقائق مستوجب لغضبة حق، توضح المواقع والمواقف.
غيّب جيش الإسلام امرأتي وأصدقائي، واغتاب معاذ الخطيب أولئك الذين تثير هذه الجريمة المستمرة سخطهم. بذلك وضع خطيب الجامع الأموي السابق نفسه في علاقة استمرار بمافيا دينية إجرامية، تؤجر بندقيتها اليوم لمن يدفع ويحمي.
عذراً التعليقات مغلقة