مما لا شك فيه أن الثورة السورية تعيش مرحلة الدوران حول نفسها في ظل التطورات الإقليمية والدولية المتسارعة، تلك التطورات التي اختطفت المشهد السوري منذ عام 2013، سواء بضمور الوعي السياسي عند قوى الثورة أو بكلاسيكية قوى المعارضة التي تجهل الواقع الثوري السوري تماما.
فجميع منظري قوى المعارضة هم من الطبقة التي تسقط إسهاماتها الفكرية على واقع سوري مغاير بصورة جذرية لتلك الرؤى التي يبنون عليها، ذاتها الرؤى التي حاولت تحويل الثورة من حالة شعبية عارمة منتصرة إلى حالة معارضة خاصة تتبنى فكرا سياسيا يعنى بالدستور وشكل النظام وهوية الرئيس ومستقبل العلاقات مع الدول الأخرى، سواء في جنيف بداية أو أستانة وسوتشي لاحقا، ومن ثم تقسيم هذه الحالة المعارضة إلى منصات وجهات ممولة إقليميا، بعيدا عن جوهر الصراع في سوريا، لا نستطيع الجزم بقدرة قوى المعارضة على اغتيال الرأي العام في الثورة السورية، لكننا نستطيع الجزم بإخفاق قوى الثورة في تحقيق قفزة نوعية بعد كل هذه السنوات، إن كل حديث وجدل سياسي لا يضع في حساباته الرأي العام الثوري سيكون مصيره الإخفاق الذي يعمق الهوة بين ما خرج لأجله الشعب السوري وما آل إليه الوضع الميداني. يبدو أن هجرة الثوار الثورة سمح لقوى المعارضة بالعمل في ميدان مفتوح تماما حسب مقاساتهم الضيقة المعدة لأجل هذا!. وهذا الزواج العرفي بين قوى الثورة وقوى المعارضة بدأ يتفتت شيئا فشيئا بفعل ضغط الرأي العام السوري الذي لا يؤمن بقدرة تلك القوى على تحقيق قفزة نوعية من ناحية أهداف الثورة، وخاصة مع العجز عن إيقاف العمليات العسكرية الدموية التي تستهدف الشعب السوري في شتى أرجاء البلاد.
لم تكن قوى المعارضة في يوم من الأيام راعية طموحات الشعب السوري، بل من اسمها نستنتج أنها أقلية سياسية ذات شأن ضيق قد لا تمثل طموحات شعب وثورة بحجم الثورة السورية، من هنا يبدأ مشوار إعادة الثورة إلى مضمارها الطبيعي، إلى شموليتها الجامعة العابرة لكل الجدل والكلام السياسي الحاصل، فلا يمكن أن تبيض السلطة في سوريا، لأنها غير موجودة على الإطلاق، متوهم من يظن وجود سلطة ما في سوريا في ظل الصراع الإقليمي والدولي على سوريا، الشعب السوري هو الثورة السورية التي أسقطت السلطة ودخلت في مواجهة عالمية مع قوى متناحرة، فالسؤال الحقيقي، من هو الطرف الذي تفاوضه قوى المعارضة في جنيف أو سوتشي أو أستانة؟! وإذا سلمنا ظاهرا بوجود وفد للنظام، فمن هي الجهة الشعبية التي يمثلها وفد النظام؟!
في البداية قالوا: عندنا طرفان هما النظام والمعارضة ولم يقولوا الشعب في مواجهة السلطة الأقلوية الشمولية التي لا قرار لها بعيدا عن مطالب وتوجهات حلفائها من جميع الجهات. وكلنا نعرف الزخم والدعم الدولي والإقليمي الذي تتلقاه الحكومة القائمة بأعمال الدول الإقليمية والدولية بدمشق “الحكومة وليس السلطة”، وبعد البداية قالوا: صار لدينا ثلاث جهات فاعلة: النظام والمعارضة والمجتمع المدني وهذه انعطافة خطرة عن طريق الثورة السورية الجامعة الواضحة البينة الأحداث والمطالب والمجريات!
ولا نعلم ماذا يخبئ لنا الغد في ظل هذا التجهيل المتعمد لمطالب السوريين وتغليب التمثيل الخارجي على أوجاع الداخل التي هي أولى بتمثيل نفسها والحديث عن قضاياها، فتجد هذه القوى تتجاوب بشكل أخلاقي وسياساتي مع مطالب الخارج على حساب الداخل وكأنه لم يعد هناك ثورة، ولا حاجة إلى الحديث في التفاصيل!
الثورة السورية اليوم تتحرر من كل تلك الإرادات الضيقة والخاصة تدريجيا ولو كان بشكل بطيء إلا أن معدلات الوعي السياسي أصبحت أكثر غنى وديناميكية في التعامل مع تشابك الأحداث في الساحة السورية.. ولا نستبعد قيام موجة ثانية متممة للأولى تتخلص من كل التراكمات الحاضرة وتشكل نواة عودة زمام المبادرة إلى أحضان السوريين الذين إن لم أقل بذلوا الغالي والنفيس فهم إضافة إلى ذلك صبروا صبرا لا مثيل له في هذه المخمصة التي كلفتنا من دماء شرفاء سوريا الكثير الكثير. من يرى الإحباط والانكسار والويلات والمكايد التي تحيط بالثورة السورية ولا يرى حجم الوعي الجمعي السوري والصبر السوري والتضحية السورية.. فبالتأكيد يجهل السيرورة العجيبة التي مرت بها الثورة السورية، ونجت.. وما زالت مستمرة تشرق ملامحها عند كل محاولة اختطاف أو اغتيال للأهداف التي ضحى من أجلها السوريون.
هذه الملامح والهبات التي تمثل اللبنة الأساس لإعادة إحياء الرأي العام السوري بما يتناسب مع أهداف الثورة والواقعية السياسية المعاصرة، بأسلوب صريح مباشر يكون المجتمع من خلاله فاعلا وشريكا في تقرير مصيره بالدرجة الأولى.
عذراً التعليقات مغلقة