شادي شاب يعيش في أمريكا منذ طفولته، يحمل الجنسية الأمريكية بالإضافة إلى جنسية والده السورية.
رغم أنه لا يملك أي ذكريات في سورية لكنه كان يعشق سوريا كثيراً من خلال أحاديث والديه و بحثه و قراءته عن سوريا في الكتب.
هذا العشق دفعه لتعلم اللغة العربية و يتحدث بالفصحى ولا يجيد اللهجات العامية.
المهم، بين يوم و ليلة هاجت الأشواق بالشاب و قرر أن يعانق الوطن و يقبل ترابه.
وبالفعل بين يوم وليلة عزم أمره وحزم حقائبه، وقطع تذكرة طيران من أمريكا إلى دمشق.
وصل المطار كان يريد أن يعانق كل من في الصالة، كان شارداً بوجوه الناس سارحاً بأحلامه ماذا سيفعل أين سيقضي هذه الأيام وهي الأولى له في لقاء معشوقته سوريا، كان ينتظر بفارغ الصبر الخروج من صالة المطار لكي يعانق دمشق ويشم رائحة ياسمينها.
فجأة صحا من شروده عندما صاح به أحدهم “هي هنت وين شارد وقف ع السوا بالدور”
ارتبك الشاب رغم أنه لم يفهم مفردات ما قاله ذلك الرجل لكنه عرف المقصود.
وعندما وصل إلى شرطي الجوازات و قدم جواز سفره السوري تفاجأ بأن الشرطي قال له “وقف على جنب”، ورفع الشرطي السماعة وتحدث مكالمة، بعد دقائق جاء ثلاثة رجال شرطة وأخذوا شادي.
- ماذا فعلت أجيبوني ؟… أنا لم أفعل شيئاً
- قالوا له: أنت هارب من خدمة العلم
- أي علم ؟
- ما بتعرف أي علم؟
تم زج شادي بسيارة شرطة وتسليمه لفرع الشرطة العسكرية ومن ثم الى مركز السوق للخدمة الإلزامية في اليوم التالي لكي يتم فرزه.
ولحسن حظ شادي جاء فرزه على القوات الخاصة في مركز الدريج في دمشق.
مركز الدريج سيء الصيت بين السوريين والذي يتعامل مع العساكر أسوء من معاملة المجرمين المحكومين مؤبد بالأشغال الشاقة، حيث الضرب بالكوابل والتطميس في الجاموقة ، وما أدراك ما الجاموقة؟!.
والركض عشرات الكيلو مترات يومياً أشباه عراة بالليل والنهار والكوابل بالمرصاد لكل من يتخلف عن الركب.
لا ليلهم ليل ولا نهارهم نهار.
في مساء اليوم الأول ذهب شادي الى الضابط المناوب - سيدي أريد أن أتصل مع أهلي من المؤكد انهم قلقون علي جداً وهم لا يعلمون أين أنا؟.
- ولااا كر ما علموك التحية العسكرية.. بعدين ليش بدك تتصل بأهلك يعني بدها أمك ترضعك؟
- سيدي أبي وأمي لا يعرفون أين أنا.
- منين هنت ولاك؟.
- لم أفهم ما تقوله سيدي؟.
- ولك من أي بلد أهلك؟.
- أهلي في الولايات المتحدة الأمريكية
- قررد ولو عايشين بالدولة الإمبريالية.. وبدك تتصل على الإمبرياليين من داخل قطعة للجيش العربي السوري البطل.
صرخ الضابط يا رقيب علي … تعال خود هالكر وبدي اياك تشوفيه نجوم الضهر
منشان يتصل بأهله عبر الاقمار الصناعية.
ياخذ الرقيب علي شادي… إشلاح بالشورت ولاك
ويبقى يعاقبه لأكثر من ساعتين بالوحل والطين والتدحرج على الأشواك.
مرت عدة أيام و شادي لا ليله ليل ولا نهاره نهار من العذاب والذل والإهانة .
لم يستطع شادي تحمل تلك المعاملة الحيوانية، وأصيب بأزمة نفسية حادة، وكاد يفقد عقله، وعندما ساءت حالته نهائياً تم نقله إلى المستشفى.
في هذه الفترة كان والداه قد أجريا عدة إتصالات مع القنصلية الأمريكية في دمشق، وقد تم معرفة مكانه،
وبعد الضغوطات من قبل القنصلية الأمريكية، تم نقل شادي من مركز الدريج للقوات الخاصة إلى مركز الخدمات الطبية والذي يعتبر مركزا جيدا مقارنة مع مركز الدريج.
تحسنت حالة شادي قليلاً وتم إرساله إلى مركز الخدمات الطبية ليكمل خدمة العلم “تبع بيت الأسد”.
أخذ شادي الصعداء وبدأ يستعيد وعيه ، وبدأ يحكي لرفاقه قصة معاناته في الدريج.
وبدأ يؤلف القصائد ويكتب مذكراته المؤلمة في وطنه والذي لطالما حلم باللقاء به.
ومن النكات التي كان يقولها شادي، إذا سأله أحدهم: - كم مرة تستطيع السحب على الجهاز الثابت
يقول شادي بلغته العربية الفصحى: - ثلاث مرات بشكل طوعي .. ولكن بالكبل الرباعي إثنتي عشر مرة..
شادي يقول عندما أعود إلى أمريكا سأكتب في وصيتي لأولادي وأحفادي إياكم أن تذهبوا الى سوريا
أحبوها من بعيد.
و سأكتب رواية بعنوان “جاموقة وطن”
……..
الجاموقة : حفرة تجميع أوساخ الحمامات و المطابخ…. أكرمكم الله
…………….
هامش:
أعتقد أن شادي عرف بعد الثورة أن سوريا التي زارها هي سوريا المغتصبة وليست سوريا الحقيقية
زار دمشق الفسد ولم يلتق بدمشق الياسمين.
عذراً التعليقات مغلقة