- نوار الشبلي – حرية برس
تتسارع الأحداث السياسية والعسكرية في سوريا على نحو يظهر وجود ملامح اتفاق بين جميع الأطراف الخارجية ولا سيما تركيا، وذلك ضمن الخطة “ب” ولكن بتعديل بسيط، والتي هي مشروع سوريا المفيدة الذي طالما أنكرت وجوده كافة الأطراف السياسية معلنة استحالة تقسيم سوريا، رغم ما تشهده المناطق السورية من تغيير ديموغرافي.
الآن وبعد صمودها في وجه حصار استمر 4 أعوام .. ها هي أيقونة الثورة “داريا” تودع ثوارها منهكة متعبة، ولكن صامدة.
داريا انتفضت في وجه الظلم في مظاهرتها الأولى بتاريخ 25/3/2011 وطالبت بالحرية، أول شهدائها ارتقوا في تاريخ 22-4-2011 خلال إطلاق قوات الأسد النار على مظاهرة، حيث استشهد إثر ذلك كل من المعتز بالله الشعار، وعمار فارس محمود ووليد رفيق خولاني.
وقد شيع الشهداء في مظاهرة ضمت الآلاف من المشيعين، صدحت أصواتهم بهتافات موحدة منها : “بالروح بالدم نفديك يا شهيد”.
ازداد حقد النظام بعد ذلك على داريا وأصبح عناصره يستهدفون المظاهرات في المدينة بالرصاص الحي ورغم ذلك استمرت المظاهرات السلمية، وجرت حملة اعتقالات كبيرة طالت العديد من الشبان والناشطين مايزال أكثرهم في المعتقلات، فبحسب مركز توثيق الانتهاكات في سوريا فإن 2400 شخص اعتقلوا من أبناء داريا، بينما يبلغ عدد من لايزالون قيد الاعتقال حتى اللحظة أكثر من 900، فيما استشهد بعضهم تحت التعذيب ومنهم الناشط غياث مطر والذي يعد أيقونة من أيقونات ثورة الحرية والكرامة، ليتوالى بعدها ارتقاء المزيد من الشهداء حتى تخطى عدد الشهداء الـ300 شهيداً حتى 3 آذار/مارس 2012، كما تزايد عدد المنشقين من قوات الأسد بأسلحتهم الخفيفة، ليكون أول ظهور علني للجيش الحر في أوائل العام 2012.
السبت الأسود
لم يكتف نظام الأسد من دماء الشهداء السلميين الذين قتلتهم وحشية عناصره ليقوم في يوم 25 آب/أغسطس عام 2012، بمجزرة ما يعرف بيوم السبت الأسود، حيث شهدت سوريا مجزرة كبرى نفذتها الفرقة الرابقة بقيادة شقيق الأسد، ماهر، راح ضحيتها أكثر من 300 شهيد بينهم أطفال ونساء، منهم 122 شهيداً في مسجد سليمان الديراني الذي لجأ إليه الأهالي عقب القصف والاقتحام، كما نفذت قوات الأسد إعدامات ميدانية لعشرات الأهالي المدنيين.
وقد مهد النظام لعملية الاقتحام منذ يوم 20 من الشهر نفسه بقطع الكهرباء والاتصالات عن مدينة داريا والذي صادف ثاني أيام عيد الفطر، ومن ثم بدأ القصف الذي استهدف المنطقة الواقعة غرب داريا، التي تفصلها عن مدينة المعضمية والمعروفة باسم “فشوخ” تم خلال هذا القصف الهمجي تدمير عدد من المنازل، الأمر الذي دفع سكان المنطقة إلى النزوح إلى وسط المدينة.
في صباح اليوم التالي أغلقت قوات الأسد كافة مداخل ومخارج المدينة، ونشرت ما لايقل عن 30 دبابة على الطريق الدولي لمدينة درعا وبالقرب من جسر صحنايا، رافق ذلك قصف مدفعي على المدينة اشتد في يوم 22 آب، ليكون الاقتحام الوحشي في يوم 24 آب.
عقب المجزرة تنادى الثوار لإعادة هيكلة الجيش السوري الحر، الذي بات قادراً على صد سلسلة من محاولات اقتحام المدينة من قبل قوات الأسد، كما تم تأسيس المجلس المحلي لمدينة داريا في 17 أيلول/سبتمبر 2012 وذلك بهدف تنظيم الجهود العسكرية والثورية وخلق بنية تنظيمية مدنية داخل المدينة.
حرب إبادة
اتبع نظام الأسد وقواته ومليشياته خلال هذا الوقت وحتى 25 آب/ أغسطس 2016 سياسة الأرض المحروقة والإبادة بحق أهالي مدينة داريا وخاصة بعد التدخل الروسي في سوريا، ممطراً المدينة بكافة أنواع الأسلحة والتي كان آخرها النابالم الحارق المحرم دوليّاً.
وقد سجل الناشطون سقوط حوالي 9000 برميل متفجرة وأكثر من 4600 صاروخ أرض أرض بالإضافة إلى أن المدينة قصفت في الآونة الأخيرة بأكثر 3700 أسطوانة تحوي مادة لنابالم الحارق.
وقد بلغ عدد شهداء داريا أكثر من 2500 شهيداً معزمهم من المدنيين، ومنهم ثواراً وإعلاميين.
سياسة الحصار والتجويع
نجحت قوات الأسد في فصل مدينة معضمية الشام عن داريا وقامت بحرق الأراضي الزراعية المحيطة بها لتحاصرها على مدار أربع سنوات، وقد بلغ عدد المحاصرين فيها 9800 مدني محاصر، و فشلت خلالها الأمم المتحدة في إدخال المساعدات الغذائية إلى المدينة، وقد حاول الثوار حفر أنفاق لتأمين مستلزمات معيشة المدنيين، لكن قوات الأسد قامت بقصفها بمساعدة طيران الاستطلاع الروسي الذي كان يحدد إحداثيات نقاط تواجد الثوار والأنفاق.
وفي حزيران/ يوليو الماضي دخلت أول قافلة مساعدات إنسانية غلى المدينة المحاصرة، لكنها لم تكن تحتوي على أي مواد غذائية بتاتاً، لتثبت الأمم المتحدة عجزها أمام نظام الأسد وتواطؤ الدول الداعمة له والدول التي تسعى لإطالة الحرب في سوريا.
من خذل أخوة العنب والدم؟!
يتحدث ثوار وأهالي داريا عن خذلان وخيبة أمل استمرت طوال الأربع سنوات التي عاشتها المدينة في الحصار من قبل الفصائل القريبة من داريا في الغوطة الغربية ومن قبل ثوار حوران، ويقول ثوار داريا أن هذه الفصائل ليست بعيدة بالقدر الذي يمنعها من مساعدة داريا وفك حصارها، وأكثر ما يشعرهم بالخيبة أن العديد من المظاهرات التي طالبتهم بنصرة داريا وفك الحصار لم تلق استجابة من قبل هذه الفصائل، وهذا ما دفع سكان وثوار داريا لمزيد من الصمود، مدافعين عن أرضهم في وجه قوات الأسد ومليشياته الطائفية، وصد ثوارها سلسلة من محاولات الاقتحام اليومية مقدمين آلاف الشهداء.
التهجير القسري
في الخامس والعشرين من آب/ أغسطس الحالي جرى اتفاق بين المجلس المحلي في داريا وقوات الأسد، تحدث البعض عن دور للأمم المتحدة فيه، قضى بإخلاء مدينة داريا بغضون 3 أيام وتسليمها لقوات الأسد، كما نص الاتفاق على خروج أكثر من 7000 آلاف مدني، على أن يتم نقل المدنيين إلى مراكز إيواء مؤقتة في مناطق تابعة لقوات الأسد كمرحلة أولى، ومن ثم تأمينهم ونقلهم إلى مدينتي الكسوة وقدسيا في ريف دمشق بشرط خروج جميع الثوار البالغ عددهم 700 مقاتل إلى الشمال السوري المحرر وإلا سيتم قتل المدنيين.
خرجت أول دفعة من الأهالي برفقة الهلال الأحمر السوري إلى مراكز الإيواء المؤقتة فيما وصل 300 ثائر برفقة عائلاتهم إلى إدلب فجر أمس السبت لتصل بعدها الدفعة الثانية وتضم 500 ثائر مع عائلاتهم إلى إدلب أيضاً.
المشهد ما قبل الأخير
رغم أن هذا الاتفاق فُرض على الثوار إلا أنهم خرجوا مرفوعي الرأس مدافعين عن المدنيين في داريا حتى آخر لحظة حاملين أسلحتهم بأمل العودة وتحرير داريا ورفع راية النصر.
ودّعوا من استشهدوا من رفاق السلاح ووعدوهم بالعودة، كما ودعت أمهات الشهداء أولادهن بغصة من القهر، وودع الأهالي بعضهم على أمل اللقاء.
استقبلهم ثوار قلعة المضيق وإدلب بهتافات تعدهم بتحرير أيقونة الثورة وحمص عاصمة الثورة وأولها القصير.
سيُحفر هذا المشهد في ذاكرة كل سوري حر وكل ثائر كان بإمكانه أن ينصر أخاه الثائر بداريا ولم يفعل وخذله، وفي تاريخ الأمم المتحدة التي تخاذلت عن مساعدة المحاصرين بكسرة خبز، كما حُفرت الحرية بجدران أبنية داريا.
داريا صمدت في وجه آلة الحرب بكافة الأسلحة… داريا ستقاتل بترابها الذي يحتضن شهداء لم تجف دماؤهم بعد.
داريا لم تكتب نهاية الحكاية … لأن:
للحكاية بقية …..
Sorry Comments are closed