* عمار ديوب
عَمّق حزب الاتحاد الديمقراطي (الكردي)، بقيادة صالح مسلم، صلاته مع الأميركان، حينما تشكّل الائتلاف الدولي لمحاربة داعش، ولاحقاً مع الروس. مع الأميركان لمحاربة داعش، ومع الروس لمحاربة الفصائل المحلية. النظام، الذي ترك لهذا التنظيم بالتحديد السلاح والمال، ومكّنه من أن يسيطر على المدن الشمالية، ويصبح قوة عسكرية، ليس سعيداً بتعاظم دوره، ولا سيما أن هذا الحزب راح يُغرّد بعيداً عن سيده في دمشق؛ فأعلن إدارةً ذاتيةً، وراح يهمّش دور العشائر في مدن الشمال أكثر فأكثر. الوهم الأكبر لديه أن الأميركان لن يتخلّوا عنه أبداً، وهناك آراء تؤكّد نسجه علاقات عسكرية وسياسية مع إسرائيل. كانت هذه التطورات تسبب خلافاتٍ بين العرب والكرد والسريان في مدن الشمال في الأعوام السابقة، المدن التي لم يخرج منها النظام نهائياً، وآخر الصراعات مع النظام ما حدث في مدينة الحسكة، واستخدم النظام فيها الطيران أول مرة، وقد فُسّر الأمر بأكثر من سبب، لكنه بالتأكيد رسالة واضحة لروسيا وتركيا وإيران: أن النظام بمقدوره التخلي مجدداً عن “الاتحاد الديمقراطي” (البايادي)، والانخراط في نتائج توافقات الدول المذكورة.
الرفض التركي المستمر، ورفض الفصائل المحلية دور الحزب، واعتباره إرهابياً وفاشياً، تكلل أخيراً بمواقف جديدة، أطلقتها كل من روسيا وإيران، وتقول فيها بوحدة سورية، وعبر التنسيق مع تركيا، فالتوافق التركي الروسي يفترض، بالضرورة، إضعافاً لـ “بايادي” من ناحية، وإضعافاً للفصائل المدعومة من تركيا. وبالتالي، تحكّماً أكبر لكل من روسيا وتركيا في الشمال السوري؛ إيران التي روّجت سورية المفيدة من قبل، أعلن وزير خارجيتها التوافق مع تركيا على وحدة التراب السوري، أي أن إيران التي طالما دعمت حزبي “بايادي” والعمال الكردستاني شعرت بخطرٍ يهمشها في التوافق التركي الروسي الإسرائيلي، وبالتالي، واستباقاً لتطورات قادمة في المنطقة، أعلنت خطوتها تلك.
“يوجب التقارب الروسي التركي على الأكراد التخلص من الأوهام بخصوص الفيدرالية، وفقاً للقومية، بل والتخلص من كل ممارسات حزب البايادي الاستبدادية، والبحث عن مشتركاتٍ مع بقية القوميات في سورية”
الداعم الحقيقي لـ “بايادي”، ووفق هذه التطورات، هو أميركا الآن. طبعاً النظام وإيران وروسيا لن يتخلوا عنه سريعاً، وهذا يعتمد على تطور العلاقات مع تركيا.
“البايادي” مكروهٌ من بقية القوى الكردية، وقسم من الشعب الكردي، ومن العرب وبقية القوميات. وسبب هجرة كردٍ كثيرين من شمال سورية، ويمارس قمعاً للحريات، ما حوّله إلى نظام مستبد بشكل كامل، ومارس كذلك تطهيراً عرقياً على مناطق تتسم بطابع سكاني عربي. أحرز هذا الحزب، وعبر قوات سورية الديمقراطية، انتصاراً على “داعش” في منبج بمساعدة دولية. وهذا سيفتح له المجال لربط عفرين بكوباني (عين العرب)، وبالتالي، مد سيطرته السياسية على كل المناطق التي يوجد فيها أكراد في سورية، ضمن مفهومه للفيدرالية؛ الأمر الأخير يرفضه الأتراك بشكل كامل، وكذلك السوريون من غير الكرد. نعم فأغلبية الكرد ترفض سياسات “البايادي”، لكنها مع مفهوم الفيدرالية بشكله القومي، كما يطرحه هذا الحزب الذي يلعب على عواطف الناس، ويُضخّم لهم من قدرته، طبعاً هو يتوهم أن الأميركان سيدعمونه في تحقيق دويلة خاصة به، بينما يريد الأميركان من مقاتليه أن يكونوا فقط مقاتلين في المعركة الأميركية ضد داعش. هذا لن يفهمه “البايادي”، كما لم تفهمه المعارضة السورية، حينما اعتمدت على الأميركان في إسقاط النظام، فلم يتحقق ذلك، وكذلك لن تتحقّق فيدرالية صالح مسلم بدعم أميركي.
ربما ورّط “البايادي” بقية أحزاب المجلس الوطني الكردي، وربما هم على هذه القناعة بخصوص موضوع الفيدرالية، وهم بذلك يتجاهلون الممكن سورياً، أي حق المواطنة للجميع وتوسع في الحقوق السياسية في مناطق سورية فيها كرد، وفي الحقوق الثقافية والتعليمية. أثار هذا التورط ويثير كثيراً من الرفض العربي في مدن الشمال السورية، وفي كل سورية. وهناك عداواتٌ تترسخ تباعاً، ولا سيما أن ممارسات “البايادي” في تل أبيض وبلدات الشدادي، وأخيراً في منبج والتصريحات الإعلامية، عن دور ذلك الحزب المركزي في تشكيل مجالس محلية تابعة له في منبج وسواها، ورفضه المجالس التي كانت مُشكلةً قبل احتلال داعش تلك البلدات (تل أبيض/ منبج)، أقول إن تلك الممارسات تؤسس لمشكلات عرقية، وهذا خطر مستقبلي، قد يُفجر حرباً أهلية خطيرة في سورية.
يوجب التقارب الروسي التركي على الأكراد التخلص من الأوهام بخصوص الفيدرالية، وفقاً للقومية، بل والتخلص من كل ممارسات حزب البايادي الاستبدادية، والبحث عن مشتركاتٍ مع بقية القوميات في سورية، والتخلص من وصف الثورة السورية تكفيرية وداعش، ومن هذه الاتهامات الكاذبة؛ فخلاص الكرد بعقدِ شبكاتٍ من التشارك مع قوى الثورة والمعارضة السورية، وإيجاد صلاتٍ قوية مع العرب في مدن الشمال تحديداً، فالتأزم هناك يتصاعد بشكل كبير.
هذا الحزب فرع لحزب العمال الكردستاني، وسيظل في منظور الدولة التركية إرهابياً، كما الأخير، وهو كذلك بنظر كرد سوريين وعرب كثيرين. والسياسة الأميركية شهيرة باستخدام مجموعات محلية لصالح تنفيذ سياساتها، وهي تستخدم هذا الحزب ضمن خلافاتها مع تركيا، وكذلك في إطار الحرب على الإرهاب. وفي هذا، يمكن ملاحظة الصمت الأميركي عن الضربات الجوية التي قام بها النظام السوري لأحياء في مدينة الحسكة.
ما يُضعف الحزب في الوسط الكردي هو تخلص بقية القوى الكردية من أوهام الفيدرالية، والاعتماد الكامل على الأميركان، وكذلك وضوح موقف المعارضة العربية وقوى الثورة السورية تجاه التنظيمات السلفية وداعش، وأيضاً في الموقف من الكرد، فكلما كانت الرؤية واضحةً، لجهة مسألة المواطنة والحقوق الثقافية والسياسية للكرد، وتوسع في الحقوق السياسية في المناطق التي فيها كرد، توسعت ممكنات التقارب بين العرب والكرد. من دون شك، كل ما يُثار عن كردستان الغربية، وحق الانفصال، وحق تقرير المصير، كلمات في الهواء، ويُفترض رفضها من الكرد والعرب ومختلف قوميات سورية؛ فالوجود الكردي في سورية مختلف عنه في تركيا والعراق بل وإيران أيضاً.
* نقلاً عن: “العربي الجديد”
عذراً التعليقات مغلقة