لا يخفى على الناس –وإن شئتَ الإخفاء- الغايات البعيدة وغير المباشرة من الترويج أو التسويق لشخص ما، ولا يخفى عليهم أيضاً أن هذا الترويج يتجاوز الشخص إلى المشروع الذي يخدمه ويقف خلفه، وما كنّا نظن أن زمناً سيأتي علينا نرى فيه “قاسم سليماني “رمزاً” على الجزيرة القطرية، و”غولدامائير” مكافحة على الجزيرة السعودية.. لا والله ما كنا نظن ولا نتخيّل حتى!.
سهام القحطاني، الكاتبة السعودية، كتبت في صحيفة “الجزيرة” السعودية منذ أيام، مقالاً بعنوان: (نساء في ذاكرة التاريخ “غولدامائير”)، مستهلة مادتها بالقول إنها (لم تضع علامتي الخير والشر كمعيار انتقاء، لأن دلالتهما غالباً متحركة ولا تخضع للاتفاق الجمعي”!. وبتسويغ قريب جداً خرج علينا مبررو عرض مادة عن قائد “الحرس الثوري” الإيراني المقتول، قاسم سلمياني، على منصات “الجزيرة بودكاست”، بعنوان: (سليماني.. راس حربة إيران).
المفارقة؛ أن الفريقين الخصمين وأنصارهما، هاجما بعضهما بشراسة وصلت حدَّ التخوين، فالجزيرة القطرية وأنصارها هاجموا ملمّعي الإرهابية “غولدامائير” متهمينهم بالتطبيع، ومتجاوزين شخص الكاتبة إلى من يقف وراءها في سياق مشروع تطبيعي متكامل، يستهدف الوجدان الجمعي للأمة.
وكذا فعلت وسائل الإعلام والمنصات السعودية، فقصفت جبهة “الجزيرة” القطرية، متهمة إياها بخيانة دم الشهداء الذين أهرق “سليماني” دماءهم من شرقي سوريا إلى غربي اليمن..
وكان الفريقان على حق في مهاجمة الآخر، وانطبق على كليهما المثل العربي والشعبي الشهير (الجمل لا يرى حدبته)!.
وفي سياق هذا المقال البسيط، سأحاول سرد حجج في تجريم المادتين يعرفها الناس كافة، ومنتجو المادتين على رأسهم.
فكل طرف عرض لمن يراه يمثل مشروعاً قابلاً للشراكة الآن أو في المستقبل، ربما ليست شراكة بالمعنى السياسي أو الاقتصادي، فلنقل كفَّ اعتداء أو مسالمة حتى لا نُتهم بالمبالغة.. وكل مشاريع الشراكة المُجرَّمة تُغطى بسلوفان الإنسانية (تعايش مشترك، سلم، مشتركات إنسانية…).
ثانياً؛ اعتراضات موظفي أو مثقفي وكتّاب تلك الوسائل الإعلامية وما يمثّلها، وانتقاداتهم للمواد الآنفة الذكر، بات أقلَّ من أن يُعبَأ به، بل على العكس، أراه جزءاً من اللعبة، نحن ننشر ونحن نعترض على ما ننشر، أي ديمقراطية أكثر من هذا؟!.
أما القول في تسويغ المادتين، بأن الأمر وجهات نظر، والمجرم بنظرك هو بطل في نظر آخر، فهذا قمة المصيبة ورأس تلة الكارثة، فأنّى لمجرمين (قاسم سليماني وغولدامائير) قتلا شعوباً وشرّدا أمماً وتركا إرثاً ثقيلاً من الأحقاد والكمائن الدينية والطائفية والأفخاخ التي تهدد باغتيال المستقبل، أنَّى لهما أن يكون “رمزين” يُمنحا ميكروفوناً للتحدث عن “إنجازاتهما” أو يُمجَّد “كفاحهما”، مع رشة بهارات “اتهامية” يُظنُّ خطاً أنها ستغطّي على نكهة ورائحة الطبخة المسمومة!.
إنَّ الانهيار يبدأ من التكبر على الناس، وتحدي مشاعرهم ومقدساتهم، والدم مقدس، والوطن مقدس، والإنسان قدس الأقداس في شرع الله والبشر كافة، وإن الالتفاف على الاعتذار العلني والصريح، عن عرض المادتين، هو أقل ما يمكن أن يصدر عن المنبرين، أما الإصرار على أن الأمر خطأ فردي أو سوء تقدير أو “وجهة نظر”، فيقودنا إلى القناعة بأن صنّاع المادتين يعدَّان “قتل شعب آمنٍ مسألة فيها نظر!”.
عذراً التعليقات مغلقة