* سامح سكرمة
في يوم السبت 19 نوفمبر 2011 كان بداية المواجهات الدامية بين الثوار وقوات الأمن في شارع محمد محمود من أجل الضغط على المجلس العسكري لتسليم السلطة بعد عدَّة تصريحات تشير إلى أن حكم المجلس العسكري سيستمر لفترة أطول.
استخدمت القوات الحكومية كل أشكال القمع للثوار بداية من الغاز المسيل للدموع والخرطوش والرصاص الحي، وقد أدت المواجهات إلى سقوط مئات الشهداء والمصابين، وقد كانت معظم الإصابات في العين لإحداث عاهات مستديمة. وسط هذا المشهد المأساوي من سقوط شهداء وجرحى بإصابات خطيرة في تلك الأحداث كانت جماعة الإخوان المسلمين منشغلة بتربيطاتها السياسية مع المجلس العسكري الذي أدار المشهد بدهاء سياسي استطاع استغلال طمع الجماعة في السلطة في تحييد موقفها من الثورة وإبعادها عن المشهدي الثوري باعتبارها حليف سياسي لديه رغبة في الحكم وفي الوقت ذاته لا يملك أعضاؤها الإدارك السليم لقواعد اللعبة مع المجلس العسكري.
أسفرت دماء الشهداء والمصابين في محمد محمود التي لم يشارك فيها الإخوان عن نزول المجلس – تحت ضغط الثوار – على المطالب بتسليم السلطة؛ بل وحدد ميعاد تسليمها في النصف الثاني من 2012م.
بعد تولي الرئيس المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين حكم البلاد ظهرت حالة من التخبط والعشوائية في الإدارة، وإفلات رموز نظام مبارك من المحاكمة وطمس الأدلة، وعدم القدرة على إدارة الأزمات التي تمرُّ بها البلاد أو السيطرة على مؤسسات الدولة الأمنية والسيادية، وازداد الاحتقان في الشارع والغليان لانعدام الرؤية السياسية وعدم وجود مشروع اقتصادي يلتف الناس حوله، وغياب الرؤية السياسية لتعامل مصر مع ملفات تخص الأمن القومي مثل سد النهضة، والثورات العربية، أو التعامل مع دول العالم وصياغة سياسة جديدة تقوم على استقلال القرار المصري من التبعية للقرار الأمريكي.
في خضم هذا كله انشغل الإخوان بالترويج للدولة الدينية العادلة، وبث الصور المثالية والخيالية عن الرئيس الذي يصلي الفجر في جماعة في حين أنه لم يلجأ لإقامة أبسط مطالب الثورة في العدالة واستغلال أهل الخبرة لا أهل الثقة.
سقوط جماعة الإخوان المدوي بعزل مرسي في 3 يوليو 2013 أظهر ضعف التفكير السياسي للجماعة برغم القوة التنظيمية التي تمتلكها على الأرض، فالاعتصام في رابعة والنهضة لإجبار الأجهزة الأمنية على عودة مرسي كان له صداه الإعلامي فقط لاصطدام قوى المصالح الإخوان والعسكر وانتهاء فترة الوفاق بعودة العسكر من جديد. فالخذلان المستمر الذي قدمه الإخوان للثوار وموالاة المجلس العسكري أدى لفقدان الثقة في الإخوان كطرف في تحقيق أهداف الثورة.
الإخوان كانوا يدركون مدى المأزق الذي سقطوا فيه بعزل مرسي؛ لكنهم لم يستطيعوا إدارة الموقف سياسيًّا، فعملية حشد الناس على الأرض مؤرقة للنظام، وفي نفس الوقت تلقي بهم في التهلكة، فرصيد النظام الدموي في التعامل مع موجات الثورة كلها تنبئ بأنه لن يتورع عن القتل أو إحداث عاهات مستديمة بكل من يشارك في التجمعات، وبدا أمر الفض لاعتصام رابعة مسألة وقت.
ويظهر أن الفئات المشاركة في اعتصام رابعة كانت من البسطاء، فتوزيع صكوك الجنة وأن كل شيء من أجل الله لم يزل يتم الترويج له بشكل جيد وفقًا لبنية المجتمع المصري ذات الأغلبية الساحقة من الفقراء والبسطاء والأمية التي تصل إلى النصف. لذلك فالفئات الموجودة على الأرض والتي تمَّ الدفع بها للاعتصام لا تملك الوعي السياسي السليم فقد تم إيهام أغلبهم بأهمية عودة مرسي وحكم الجماعة لمواجهة الليبرالية التي ستعصف بمصر، وستقضي على الإسلام وغير ذلك مما يثير الحفيظة الدينية.
اختار الإخوان المسلمون الضغط والحشد في معركة غير متكافئة معلوم الفائز فيها مسبقا، فلا يمكن لأي جماعة سياسية منظمة مواجهة دولة تمتلك مؤسسات أمنية باطشة، لم يستفد الإخوان من تجربة نجم الدين أربكان في تركيا الذي اختار عدم المواجهة مع الانقلابات العسكرية والدفع بأنصاره إلى دائرة الهلاك، وقام على العكس من ذلك بإدارة الأمور بسياسة تغيير الجلد، وهو أمر مقبول للحفاظ على تماسك مؤيديه من خلال تأسيس حزب جديد يحمل الأفكار ذاتها في كل مرة يتم حظر حزبه فيها.
كانت عملية الحظر لحزب أربكان ودخوله السجن تنتهي بأربكان ومجموعة من القيادات، والرجل يستطيع التغلب على ذلك بتأسيس حزب آخر بكثير من العمل والمثابرة، اختيار المواجهة والدفع بالحشود أدى لمذبحة قتل المتظاهرين في رابعة.
الإخوان يعلمون جيدًا دموية النظام الذي لن يتورع عن قتل الآلاف، والإدانة الدوليَّة التي يعولون عليها، فهي زوبعة فنجان سرعان ما تنتهي وفقا لحسابات المصالح.
أدت الحشود لحرب تكسير عظام قام بها النظام ضد جماعة الإخوان إعلاميًّا وأمنيًّا، وازدادت ملاحقة تنظيم الإخوان بداية من قياداته وانتهاء بالمنتمين للفكر أو المتعاطفين معه، الأمر الذي انتهى باعتقالات عشوائية شملت أناسًا ليس لديهم أي انتماء سياسي للجماعة لمجرد وجود صورة أو حتى “إمساكية” لمعرفة المواقيت في شهر رمضان، كل الدماء المصرية التي أريقت بداية من في الموجات التالية لثورة يناير وحتى الآن تتحملها السلطة العسكرية وجماعة الإخوان المسلمين.
إن عدالة مطالب الثورة تدعو لاتفاف الجميع حولها في مواجهة النظام الفاسد، كان على الإخوان أن يدركوا أن مصالحهم مع الثوار أبناء الشعب المنكَّل بهم لا مع أبناء النظام من العسكر.
الدماء المصرية التي أريقت في أعقاب ثورة يناير لم تُفتح ملفاتها بعد، وأعني هنا بالدماء المصرية كل الشهداء والمصابين دون تمييز على أساس ديني أو طائفي أو سياسي.
المصريون جميعًا يستحقون حياة أفضل، وكل من تورط في عمليات القتل يجب محاسبته،فمذبحة محمد محمود أو رابعة هي جرائم حرب لا تسقط بالتقادم، وموجات الثورة المصرية والقصاص لم تنته بعد، وليت الإخوان يدركون درس: “أكلت يوم أُكل الثور الأبيض في محمد محمود”، فاحتمالات الثورة القادمة أكبر بكثير من أيام مبارك.
عذراً التعليقات مغلقة