فجر رعب انتشار فيروس كورونا وما رافقه من آثار نفسية ظواهر عنصرية في مجتمعات ودول مختلفة غربية وعربية. لكن الشعبوية في بعض دول الخليج وخاصة الكويت كانت الأعلى صوتا حيث سادت سردية، سواء كانت موجهة أم لا، تنظر إلى الفيروس من كونه “وافد” مع “الوافدين”، وأن “المواطنين” يتحملون تبعات هؤلاء. وبخلاف الانطباع الأولي، كان صوت بعض “النسويات” الخليجات الأكثر فجاجة في عنصرية وصلت التقزز من رائحة الوافدين “المعفنة” كما جرى مع الإعلامية الكويتية ناديا المراغي أو رميهم في البر “الصحراء” كما جرى مع الممثلة الإنسانية “حياة الفهد”. المفارقة بمكان أن هذه الأصوات التي تزداد يوميا قُدمت سابقا كنماذج عن مكانة المرأة الخليجية في مجتمع ما بعد النفط إلى درجة بشر فيها البعض ب “نسوية خليجية” على نمط “كلام نواعم” في إم بي سي. فكيف نفهم هذه الظاهرة؟
باختصار، تعرضت دول الخليج جميعها وبدرجات متفاوتة إلى درجات كبيرة من “التحديث” فاقت في بعض قطاعاتها دول متقدمة غربية أو عربية راسخة. لكن هذا التحديث، وباعتراف المسؤولين الخليجيين أنفسهم، كان غالبا ما يراعي الجانب الشكلي دون الدخول في الجوهر بسبب عوامل مجتمعية وسياسية مثل الريع، القبلية، والطبقية الجديدة. ضمن هذا السياق، تبنت غالبية دول الخليج في العقدين الماضيين سياسات وتشريعات تقوم على إدراج المرأة الخليجية في المجال العام والقطاع الحكومي وتمثيلها في غرف البرلمانات ومجالس الوزراء. لا شك أن هذه السياسة أنتجت نماذج كثيرة رائعة تمثل فخرا للمرأة الخليجية، لكنها ظروف البيئة السياسة والاجتماعية ولدت ظواهر سلبية أتمنى ألا تطول.
شريحة لا بأس بها من الخليجيات تعاملن مع الانفتاح الجديد بوصفه صيغة محدثة من “برستيج ” الدول الريعية وامتيازاتها وليس بوصفه تحديثا يؤسس لثقافة جديدة تعلو فيه “قيمة” العمل والمشاركة على امتيازاتها. وبدل أن يغير الانخراط في العمل والمجال العام طبيعة التفكير السائدة، جرى في بعض الأحيان العكس تماما. فعلى سبيل المثال، انتقلت المجالس اليومية وأحاديثها بكل ظواهرها السلبية (البذخ في الصرف، الشغالة، المداورة ..) من البيوت الى مكان العمل. وعوض أن تؤثر بيئة العمل على تغيير سلوكيات الفرد وتقاليده، جرى تطبيع بيئة العمل بهذه التقاليد. لذلك، أصبحت بعض بيئات العمل وخاصة التي ينخفض فيها الإنتاج تعاني من بعض الظواهر المريضة التي تتجلى على شكل عنصرية تبدأ داخلية بين المواطنين أنفسهم ( عائلية/ قبلية، أصيل/ مجنس، عربي/ غير عربي، أبيض/ أسود) ولا تنتهي بالعنصرية ضد المقيمين والأجانب. فالمصري له صفة، والسوري عنه انطباع، والمغربي يوضع في قالب، والأوروبي له تصنيف حسب دوله.
في ضوء ذلك، برزت نسوية خليجية “مشوهة” احتلت الإعلام والمجال العام وباتت تغطي على الكثير من النماذج الساطعة. قولبت المرأة بعمليات تجميل لا تنتهي، وسيارات فارهة، وماركات، وبذخ كبير أوجد هوة طبقية وتفاوت في أنماط الحياة فغدا لكل مجتمع حدوده وخطابه. فيروس كورونا الذي لم يميز بين رئيس ومرؤوس، بين مواطن ووافد، بين غني وفقير هدد بإزاله هذه الحدود، فكانت التصريحات العنصرية الأخيرة محاولة غير إرادية لترسيخ هذه الحدود أو إعادة تشكيلها بطريقة جديدة.
عذراً التعليقات مغلقة