الرئيس الأمريكي الذي يبدو مجنونا يكاد يفوق العالم كله ذكاء، وفريقه الذي يظهر مضطربا على الدوام هو غاية في التركيز… لقد استطاع ترامب وفريقه أن يخدعوا أعداءهم وأصدقاءهم والعالم كله بكل حركة قاموا بها، فيما يعد أكبر خداع سياسي في التاريخ المعاصر. فكيف حدث ذلك؟
إن اغتيال قاسم سليماني بأوامر مباشرة من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يأتي في سياق وظيفته السرية التي يعمل عليها منذ وصوله إلى سدة الرئاسة الأمريكية في مطلع العام 2017، تلك الوظيفة التي تقتضي تدمير أمريكا على المستوى الدولي عبر سحب القوات الأمريكية من الشرق الأوسط وتسليمه كاملا للروس وحلفائهم.
قد يستغرب الإنسان من ذلك، ويعجب من هذه النتيجة التي لا تتوافق مع ظواهر تصريحات ترامب السياسية. وهذا أمر طبيعي في ظل الخداع المحكم الذي مارسه الرئيس الأمريكي على العالم بشكل عام وعلى الأمريكيين وحلفائهم بشكل خاص.
من يدرس تصرفات الرئيس الأمريكي في السنوات الثلاث الماضية ويرى تطابق نتائجها العجيب يوقن أن سياسات ترامب تصب في خدمة هذا الهدف، ألا وهو تسليم الشرق الأوسط والعالم كله لأعداء أمريكا.
كيف ينفذ ترامب مهمته السرية؟
قد يتساءل الإنسان كيف يمكن للرئيس الأمريكي أن ينفذ خيانة بلده أمام مرأى العالم ومسمعه؟
الحقيقة أن الرئيس الأمريكي اتبع في تنفيذ جميع إجراءات الانسحاب الأمريكي خطة واحدة ومكررة تتكون من حركتين:
الحركة الأولى: يقوم بعمل هجومي أو بمبادرة ظاهرها في صالح الولايات المتحدة الأمريكية أو حلفائها، وفي ظل النقاش العالمي الذي يثيره جنون الرئيس الأمريكي أو بطولته، يقوم بالحركة الثانية: وهي الرجوع بالأمريكيين وحلفائهم خطوتين أو ثلاثة أو عشر إلى الخلف، وهذه الحركة الثانية تكون هي الهدف الأساسي من الحركة الأولى.
مثلا في القضية السورية، أعطى أوامره بانسحاب القوات الأمريكية من شمال سوريا لصالح حليفته تركيا بغية الحفاظ على علاقات طيبة معها، وبينما انشغل العالم بموقفه الغريب هذا، قام بالخطوة الثانية حيث سلم المنطقة الحدودية للروس ولنظام الأسد ولم يكونوا يحلمون بذلك قبل أن يقوم ترامب بسحب عشوائي مقصود للقوات الأمريكية، وفي النتيجة لم تحصل تركيا إلا على قطعتين صغيرتين، وأكل الروس وحليفهم الأسد باقي المنطقة.
والأمر ذاته في اغتيال قاسم سليماني، كان الهدف من ذلك القيام بحركة تفضي إلى خروج أمريكا من العراق تماما، وربما خروجها من الخليج لاحقا، فقام بالحركة الهجومية الأولى، المتمثلة في إعطاء الأوامر باغتيال “قاسم سليماني” دون رجوع إلى مراكز القرار الأمريكي، وهو يعرف مسبقا نتيجة ذلك، انسحاب أمريكي إجباري من العراق ومن مناطق أخرى في الشرق الأوسط، لصالح الإيرانيين.
لماذا تعجز مراكز القرار الأمريكي عن إيقاف ترامب؟
إن قدرة ترامب الفائقة على استخدام الرأي العام الأمريكي والعالمي هو السبب في عجز الأمريكيين عن مواجهته.
إن خطة عمل ترامب محكمة ومن الصعب جدا أن يوقفها أحد، فهو يستخدم الرأي العام الأمريكي والعالمي لمواجهة معارضيه، ويبذل من النقود التي سرقها من الخليج لإسكات الأمريكيين وحجب عقولهم عن الشك في حقيقة ما يفعله، ويغلف ألاعيبه بمقاصد السياسة الأمريكية، ففي خطته لسحب القوات الأمريكية من سوريا كان هدفه المعلن مساعدة الصديقة تركيا لمنعها من الوقوع في حضن الروس، بينما هو قد أوقعها في حضنهم منذ سنوات، وسلم المنطقة للروس.
وفي قضية قاسم سليماني اختار ترامب إحدى أكثر الشخصيات المتفق على إجرامها في المنطقة والعالم، وأصدر أوامره بالاغتيال، انتظر الضجة الإعلامية الكبيرة التي أشادت ببطولة الرئيس الأمريكي في الشرق والغرب، استخدم الضجة الإعلامية والرأي العالمي كله لمواجهة أي معارضة قد تصدر من دوائر صنع القرار الأمريكي.
وعندما يصدر العراق قرارا بخروج القوات الأمريكية من العراق سيتظاهر الرئيس الأمريكي بالغضب، ولكنه يكون قد حصل على ما يريد، أمام نظر العالم كله دون أن يشك أحد بحقيقة الأمر.
يكرر الخطة ذاتها كل مرة، يحارب إيران في برنامجها النووي واقتصادها ويسلمها المنطقة، يقتل لها سليماني ويوقع لها على أوراق تسليم العراق.
يتظاهر بالود للملك سلمان وبن زايد ويرمي دولهم في أحضان إيران ويرفض مساعدتهم ضد هجمات الحوثيين أو ضد حوادث الاعتداء على السفن النفطية وشركة أرامكو، بل ويدفعهم إلى الحضن الروسي.
يتظاهر بالحرص على مصالح تركيا من فترة لأخرى ويبذل كل جهده لرميها في أحضان الروس وتدميرها اقتصاديا وسياسيا، ويرفض الدخول في أي محاولة صلح بينها وبين مصر والسعودية.
يحارب نظام الأسد عبر قانون قيصر ويأمر حلفاءه في الإمارات والسعودية ومصر بمساندته.
يستفز الروس من فترة لأخرى ويأمر صديقه عبد الفتاح السيسي بفتح الطريق أمامهم نحو إفريقيا، ويحاصر الصينيين اقتصاديا ويدفع العالم كله للدخول في حلفهم التجاري الناشئ.
يظهر صداقة فارغة للاتحاد الأوربي ويعمل على تدميره لصالح الروس. يتظاهر بالحرص على مصالح حلفاء أمريكا السعودية وتركيا وقطر والإمارات ومصر، ويبذل جهده لتبقى العداوات بينهم قائمة ليتفرغ الروس والإيرانيون لاستلام المنطقة بهدوء بالغ.
لاعب شطرنج فاشل وإعلامي ماهر
إن كل خطط الرئيس الأمريكي قائمة على حركتين فقط، الأولى يكسب فيها جنديا والثانية يخسر فيها قلعة أو حصانا، يبدو أن الرئيس الأمريكي لاعب شطرنج فاشل فلا يستطيع الحساب أبعد من حركتين، ولكنه مخادع ماهر في التأثير على الآخرين، يعرف كيف يستخدم الإعلام ويضع الرأي العام الأمريكي والعالمي بجانبه لينفي أي تهمة عن نفسه.
أخيرا:
بقيت لدى الرئيس الأمريكي خطوتان وتتم مهمته على الصعيد الخارجي:
الأولى: القيام بحركة هجومية ضد إيران في الخليج تكون نتيجتها تسليم الخليج كاملا لها.
الثانية: القيام بحركة في أوربا تفضي إلى تدمير الاتحاد الأوربي، ودفع مجموعة من دوله إلى الحلف الروسي.
اليوم لم يبق أمام دول منطقة الشرق الأوسط في الخليج وتركيا ومصر خيار سوى حل الإشكاليات القائمة بينهم لمواجهة إيران، والتوجه للتنسيق مع الإدارات الأمريكية لإيقاف ترامب، أو ليبادروا في خطب ود الإيرانيين والروس قبل أن يهدموا بلدانهم كاملة فوق رؤوسهم.
عذراً التعليقات مغلقة