عطفاً على مأساة السّوريين التي لم تتوقف عند حدّ، ولم تحتويها جوانب محددة، من احتلال الأرض إلى احتلال الفكر، واغتصاب الموروث بكافةِ أشكاله، يبقى السّوريُّ مرهوناً لتوجيه السّلطة الحاكمة، المستبدة، التي قلبت على مدى عقود خمس، مفاهيم اجتماعية وسياسية، واقتصادية، مفاهيم لم يكن لقلبها خسارة الأرض والفكر فحسب؛ بل خسارة الإنسان.
ماهو أخطر من خسارة الأرض والمدن، هو خسارة الفكر و الإرث الثقافي لموروث الشعب وأسّ حضارته وتطوره، وهذا ماعمل عليه النظام الحاكم المستبد في سوريا منذ استلامه زمام السّلطة ومقاليد العبث بمفاصل الدولة.
علي الديك، وغيره ممن تصدّر المشهد مؤخراً منذ منتصف التسعينيات ليومنا هذا، حالة عمِل النظام على إبرازها والتسويق لها، من خلال مؤسسات غارقةٍ في الفساد الإداري والأخلاقي، والتي لا يختلفُ عملها عن فرقةٍ حزبية في قريةٍ نائية.
لم يكن هذا التسويق محض صدفة!، ولم يكن تغييب الموروث الشعبي والتراث لبقية الأطياف في سوريا كذلك، باستثناء الموروث الحلبي من قدود وما شابه ذلك لأن تاريخها موغل في القِدم.
فلم نرَ موروثاً شركسياً من القنيطرة يتصدر!، ولم نرَ موروثاً حورانياً و كردياً أو جولانياً يتصدّر إلا ما ندر، وكذلك لم يشتغل أحد في هوية هذه الأصناف وتاريخها، بل عُمل على تهميشها وإقصائها، فذياب مشهور أحد الصّروح الثقافية الشعبية والنغم الفراتي يبكي في (يوم تكريمه) ولم يستطع القيام والنهوض لجلب درع تكريمه، ذياب الذي بدأ مسيرته الفنية في عام 1958، في شرق سوريا، بمحافظة دير الزور، وتعلم على يد الموسيقي الكفيف يوسف جاسم الذي عثر عليه في منطقته وعلّمه المقامات الشرقية وفنون الأداء؛ استطاع أن يؤلف كلمات أغنياته ويضع ألحانها بنفسه، وكان مشروعه هو في نشر الأغنية الفراتية السورية، الذي عمل عليه منذ السبعينيات عام 1970، إلى أن قرر الاعتزال في التسعينيات.
ترك الفنان ذياب مشهور وغيره من المطربين الشعبيين في الأذهان صوتاً جميلاً أصيلاً، لا يمكن تعويضه. هذا الفنان الفراتي الأصيل بصوته المميز ترك بصمة للغناء باللهجة الفراتية في سوريا، وترك علي الديك تشويهاً عميقاً لسوريا الإنسان.
اليوم يُحارب السّوري في لقمة عيشه، وفي فكره، وتراثه، يُحارب في إقصاء مكونات شعبه العريق، وتهميشها، فأيّ قهر يحملُ العام الجديد للسّوريين!.
عذراً التعليقات مغلقة