* بدر الراشد
في كل مناسبةٍ، يُظهر الناس فيها تفاعلاً واضحاً مع القضية الفلسطينية، توازياً مع تطور بارز، أو حلول ذكرى حدث تاريخي، لاسيما عبر وسائل التواصل الاجتماعي، يعود سؤال “جدوى الكتابة عن فلسطين” إلى الواجهة من جديد.
وتتراوح حدة السؤال، بين تسفيه المتبنين للقضية أو تسفيه فعل الكتابة نفسه، أو مجرد التشكيك في جدواه، في وقت تظهر فيه كل آثار “نسيان” القضية بادية للعيان، في المجال العربي، إن كانت هذه الآثار هرولةً إلى دولة الاحتلال، أو تلاعباً بالقضية نفسها، أو في حالاتٍ قصوى، الإسهام المباشر في حصار الفلسطينيين.
ويجب، هنا، ألا يتم التعامل دائماً مع سؤال “جدوى الكتابة عن فلسطين” بسوء نية. صحيح أن كثيرين ممن يطرحونه لا تعني لهم فلسطين أي شيء، أو لا يبالون بأي قضيةٍ أصلاً، أو في حالاتٍ أسوأ، متعاطفون مع الكيان الصهيوني، لسبب أو آخر. لكن، أحياناً يأتي السؤال بدافعٍ من يأس، وشعور بعدم الجدوى، وهذا متفهم في قضية معلقة، منذ ما يزيد عن ستة عقود، ومُنيت بنكساتٍ وتراجعاتٍ كثيرة، وتم دائماً التقليل من مكتسباتها، ولم يحصد العرب من الحكومات التي رفعت شعارها إلا الاستبداد والهزائم، حتى ارتبطت القضية، في بعض جوانبها، بالدكتاتوريات التي بات العرب، أو جلهم، رافضين لها اليوم.
أما الأسوأ من مسألة الكتابة، فهو وصف المتعاطفين مع القضية بأنهم “يستغلونها”، و”يزايدون” على الآخرين من خلالها، خصوصاً إذا جاء هذا الاتهام في سياقات رفض إقامة علاقات مع الكيان الصهيوني، ووجهت إلى أفرادٍ مؤمنين بالقضية، لا حكومات أو أنظمة “قد” تكون فعلاً تتاجر بالقضية، أو تستغلها لمكاسب أبعد من القضية نفسها. وفضح هؤلاء يكون بالكتابة عن القضية، لا ما هو خلاف ذلك.
مثل كل مرة، طُرحت هذه التساؤلات، وحدثت هذه المزايدات، في ردود الفعل على زيارة اللواء السعودي المتقاعد، أنور عشقي، الكيان الصهيوني، ولقائه مسؤولين صهاينة بارزين، من المتورطين بجرائم ضد العرب، والرافضين مبادرة السلام العربية التي يدّعي عشقي أنه يسوّقها.
تمثلت أبرز ردود الفعل الرافضة التطبيع في الخليج، بالإضافة إلى المقالات الصحافية، في التفاعل من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، وموقع تويتر، ضد أي مبادرة لتطبيع العلاقات مع الصهاينة، كما في هاشتاغ “سعوديون ضد التطبيع”، بالإضافة إلى توقيع كتّاب وأكاديميين وإعلاميين وسياسيين خليجيين بياناً يؤكد على مقاطعة دولة الاحتلال، حمل عنوان “الخليج العربي يرفض التطبيع مع الكيان الصهيوني”.
يمكن تعداد ألف سبب لأهمية الكتابة عن فلسطين، أولها أنها قضية عادلة، فالفلسطينيون يواجهون دولة احتلال استعمارية، وجرائم يومية في حقهم، وتمييزاً عنصرياً ضدهم، ومأساتهم هي الأبشع، بعد جرائم الحرب العالمية الثانية، ويكادون أن يقفوا اليوم بلا سند، في مواجهة دولة الاحتلال. لذا، كانت مساندتهم ودعمهم، ولو بالكتابة، أمراً مهماً.
وعربياً، تتضاعف أهمية التذكير بفلسطين، فهي قضيتنا، وإن كانت نصرة أي مظلوم فضيلة، فالهروب من وجه المظلوم الذي يقاسمنا هويتنا، ومجالنا السياسي، ويواجه عدونا، عار.
والكتابة عن فلسطين، تحرير لها من مستغليها، والمزايدين باسمها. فتجاهل فلسطين هو الذي يمنح النظام الإيراني، مثلاً، أوراقاً ليلعبها في المنطقة، وهو الذي جعل القضية أسيرة للنظام السوري، في وقت مضى، فمن الخطأ، والعار، التخلي عن فلسطين، بسبب الأنظمة والدول المتاجرة بها.
نكتب عن فلسطين، لنقاوم بالذاكرة، لنبقي القضية حيةً جيلاً بعد جيل، لنصنع رأياً عاماً رافضاً للاحتلال وظلمه، وسياقاً عالمياً يعرف معاناة الفلسطينيين، ويساهم في تخفيفها، ولو بعد حين. فمن المهم جعل تكلفة عدوان الصهاينة مرتفعاً، وتكلفة التطبيع معهم كبيرة. وهذا لم يحدث، إلا بإبقاء القضية حاضرةً في الأذهان، وإبراز جرائم الاحتلال، ورفض المهرولين إليه، بصورة واضحة وقطعية، ومستمرة.
* نقلاً عن: “العربي الجديد”
عذراً التعليقات مغلقة