حاوره: سليمان نحيلي
يوماً فيوماُ يثبت السوريّ في بلاد اللجوء أنّ له من كل إنجاز نصيب، وفي كل ميدان بصمة، فمن ميادين التحصيل العلمي إلى الابتكارات والاختراعات مروراً بالمهن والحرف المتنوعة وصولاً إلى البطولات الرياضية، متعالياُ فوق جراحه وآلامه جاعلاً منها سبباً للنجاح والتفوق لا للكسل والتقهقر.
وفي مجال الرياضة يُعتبر عبد الله مصطفى أحمد نحيلي برهاناً جديداً على ماذكرنا، وهو الشاب السوري الذي أُصيب ثلاث مرات، وقرر الأطباء بتر ساقه، لكنه رفض، وتحدّى تحذيراتهم بعدم ممارسة أي نوع من الرياضة، ومارس أقسى أنواع الرياضة، وحصد عشرات الميداليات الذهبية، لُيتوّج أخيراً بطلاً للمملكة الأردنية الهاشمية لعام 2019 في رياضة كمال الأجسام.
وبهذه المناسبة كان لنا معه اللقاء التالي:
* وأنت ترتقي منصات البطولات الرياضية هل تعود بنا إلى بداياتك؟
**في البداية أود أن أشكر موقع “حرية برس” الكريم على لفتته الهامة، والذي يعمل على مواكبة الأحداث الرياضية في غمرة تصاعد الأحداث والمعاناة المأساوية التي يعاني منها شعبنا الحر في الداخل السوري.
وفي الحقيقة نشأت في أسرة رياضية فقد كان والدي أطال الله بعمره بطلاً في السباحة، وشقيقي الشهيد صبحي عدّاءً أحرز بطولة سورية والعرب في الجري، ولذلك بدأت بممارسة الرياضة منذ الصغر، وكانت كرة القدم عشقي، انضممت في العام 2005 منذ كنت في الصف الرابع الابتدائي إلى صفوف نادي الكرامة الرياضي في حمص ولعبت في كافة الفئات العمرية، وكنت ضمن تشكيلة منتخب حمص ومنتخب سورية للناشئين.
* لقد ذكرت أنك تعشق كرة القدم وكنت من ضمن تشكيلة منتخب حمص وسورية فلماذا تحولتَ إلى ألعاب القوى؟
** نعم ومازلت أعشقها وأتمنى أن أصبح لاعباً محترفاً فيها. وبالمناسبة فبعد اندلاع الثورة السورية توقفت الحياة الرياضية في البلد وتوجهت كغيري من اللاعبين إلى الاحتراف في الخارج وتم التوصل إلى اتفاق للعب مع أحد الأندية الاردنية، ولكن إصابتي كانت نقطة تحول في حياتي الرياضية والشخصية وحتى في حياة أهلي.
* وكيف حصل هذا التحوّل؟
**في الواقع في منتصف العام 2012 وبينما كنت أستعدّ للقدوم إلى الأردن كما ذكرت تعرضت للإصابة جرّاء قصف قوات النظام السوري على الأحياء المدنية في حمص، وشملت الاصابة أماكن متعددة من جسدي في الكتف الأيمن ورجلي اليمنى وإصابة أخرى في فخذي الأيمن وشظايا متعدد ة في الحوض والمثانة، كانت الاصابة في رجلي وفخذي الأيمن شديدة الخطورة ولعدم توفر العلاج اللازم في المشافي الميدانية قرر الأطباء بتر ساقي، طبعاً كان ذلك الخبر صاعقاً بالنسبة لي لأنه بمثابة نهاية مأساوية للاعب كرة قدم، ولكني رفضت بشدة فقرر أهلي عندها اللجوء إلى الأردن لتلقي العلاج.
وفي الاردن أُجريت لي العديد من العمليات وتلافينا البتر والحمد لله، وما زلت حتى الآن بحاجة لعملية (تطويل عظام لرجلي المصابة)، وحذرني الأطباء من ممارسة أي نوع من الرياضة وأذكر أن الطبيب قال لي (احمد ربك إنك عم تمشي)، كما كانت تنتاب رجلي المصابة حالة عصبية تشبه الشلل المؤقت حيث وبينما أنا واقف أسقط على الأرض ولاأعود قادراً على النهوض والحركة لمدة ساعة تقريباً. وقد تم إجراء عمليات ونجحت نوعاً ما.
ومن ثم اتفقت مع أحد الأندية الأردنية للعب كمحترف لكنهم رفضوا إكمال التعاقد معي عندما قررت اللجنة الطبية التابعة للنادي عدم قبولي نظراً للإصابات وحرصاً على صحتي ويومها نصحتني اللجنة بالاكتفاء بممارسة المشي الخفيف.
هكذا تركت كرة القدم ولكن لم أترك الرياضة، واتجهت إلى ممارسة الرباضات الفردية القتالية فحصلت على المركز الثاني في بطولة العرب في رياضة التايكواندو، ثم تفاقمت آثار الإصابة نتيجة قسوة التايكواندو وتحولت إلى رياضة كمال الأجسام كرياضة هادئة وغير قتالية.
* لقد وصف المراقبون الرياضيون والحكام أن المنافسة على بطولة الأردن لهذا العام كانت شديدة، حدثنا عن مشاركتك وفوزك باللقب
** عندما أحرزت في العام الماضي 2018 المركز الثاني لفئة الشباب والمركز الثالث لفئة الرجال على مستوى المملكة الأردنية، وضعت هدفي ووجهت إرادتي نحو تحقيق المركز الأول في بطولة 2019 وبدأت بالاستعداد والتدريب المتواصل قبل تسعة أشهر من البطولة.
وبالرغم من كثرة أعداد المشاركين الذين تجاوزوا (140) لاعبا ً ووجود أسماء قوية مشهود لها بالتفوق فإنني تمكنت بتوفيق من الله من تحقيق المركز الأول لفئتي الشباب والرجال على مستوى الأردن.
* كلاجئ، ماذا يعني لك إحرازك لقب البطولة؟
** إن البطولة لم تأتِ إلا بعد تصميم وإرادة مترافقة مع العمل والمثابرة على التدريب وعناء ومصابرة، وأود أن أستغل هذه المناسبة لأوجّه رسالة إلى كل اللاجئين السوريين وغيرهم وأقول لهم: إن ظروف اللجوء مهما بلغت من القساوة والآلام لايمكنها أن تشكل عائقا في وجه تحقيق أهدافنا إذا اعتمدنا على الله وعلى أنفسنا وبالعمل والارادة والمثابرة، فمن ليس لديه هدفاً سيصبح هدفاً لغيره. وإني بتحقيق البطولة أثبت أن اللاجئ السوري ليس عبئاً على أحد، فساحة المنافسة الشريفة مفتوحة للجميع. وبشكل شخصي فلقد توصلت لقناعة أن الكلمة الفصل في حياة ومستقبل أي إنسان هي للإرادة وليس للأطباء مع احترامي وتقديري لهم وخوفهم على صحتي ومستقبلي.
وأهدي هذا الفوز لكل شخص لديه طموح يعمل على تحقيقه ولكل اللاجئين السوريين ولشقيقي صبحي رحمه الله، وشهداء الثورة السورية، ولكل من ساندني ووقف معي، هؤلاء شركائي في اللقب.
* سمعت من زملائك ومدربيك أنهم ينادون بالمنجل، ما قصة هذا اللقب؟
** (يجيب ضاحكاً): لقد لعبت ثلاثة أنواع من الرياضات وحصدت عشرات البطولات والميداليات المختلفة، ولذلك يشبهوني بالمنجل الذي يحصد سنابل القمح. والحمدلله.
* بعد لقب بطل المملكة الأردنية، هل هناك شيء تسعى له؟
** بطولة المملكة هي بداية الطريق الطويل، وستكون مشاركتي القادمة في بطولة جنوب افريقيا في الشهر العاشر أي بعد أيام، وقد حددتُ هدفي، وأثابر عليه بإذن الله.
* من المعروف أن رياضة كمال الأجسام تتطلب مصاريفاً عالية من أجل توفير نظام غذائي صحي خاص لبناء عضلات الجسم. وربما لا تتناسب تللك النفقات مع وضع لاجئ أو لعلها فوق مقدرته، فكيف تجاوزتَ ذلك؟
** هذا صحيح، فمن المعروف أن رياضة كمال الأجسام هي رياضة الأغنياء ولكني بالرغم من فقري استطعت بالإرادة والتدريب الوصول لهدفي حتى أن نفقات الرياضة كانت تغتال معظم دخلي المتواضع، كما إن المردود المادي لهذه الرياضة ضئيل جداً في بلادنا بخلاف الرياضات الجماعية ككرة القدم، وبالمناسبة فإنني عملت على بناء عضلات جسمي بالغذاء الطبيعي فقط دون الاعتماد على البروتينات أو ما يتناوله البعض من مواد تصنع العضلات بشكل سريع لكنها غير مأمونة صحياً في المستقبل، وهذا مانوّهت له لجنة التحكيم في البطولة بالنسبة لي وأثنت علي في اعتمادي على الغذاء الطبيعي.
* أود أن أسألك أخيراً عن طموحاتك على الصعيد الرياضي والشخصي
** أطمح على الصعيد الرياضي أن أفوز ببطولة جنوب أفريقيا الشهر القادم لنيل بطاقة الاحتراف، وفي المشاركة في بطولة المحترفين (المستر لومي) ومواجهة أبطال عالميين بإذن الله.
وعلى الصعيد الشخصي أطمح الفوز ببطولات كرد جميل لكل من شجعني من أهلي وكل من ساعدني ودعمني الذين لا أنسى فضلهم، وأطمح لتحقيق بطولات تحقق مردوداً مالياً لمساعدة كل رياضي محتاج ولرد ولو جزء من الجميل لكل من ساعدوني ووققوا معي لتحقيق نجاحي.
* شكراً لك ودعاؤنا لك بالتوفيق في بطولة جنوب أفريقيا.
** شكراً لك ولحرية برس.
عذراً التعليقات مغلقة