“سوريون يشتمون بعضهم”
يتم تداول هذه العبارة عند كل عمل سياسي أو أي عمل جماعي كدلالة على رفض السوريين لبعضهم البعض. ويقال دوما” بأن السوريين يقذفون بعضهم ويسقطون بعضهم واحدا” تلو الآخر دون مراعاة لأهمية التعاضد وأهمية الالتفاف وراء قيادة حكيمة، لذلك يبقون بلا قيادة ولا إدارة تدير مشاكلهم وتبحث لها عن حلول في الوقت الذي تتعاظم فيه مصائبهم.
ويقول البعض أن هذا الكلام صحيح، فلا يكاد يظهر رجل أو (إمرأة) في مكان قيادي لتمثيلهم في المحافل الدولية أو المحلية، إجتماعيا” أو سياسيا” إلا وتنهال عليه الشتائم والمسبات، ويصل الأمر لإستحضار تاريخه وزلاته التي وقع بها سابقا” كنوع من التوثيق على عدم أهليته أو كفاءته للمنصب الذي يعتليه. وكمبرر لإسقاطه وإسقاط الرمزية التي يحاول تجسيدها من مكانه الجديد.
يحدث كل ذلك دون التركيز أو البحث عن مصادر هذه الأقوال ومن المستفيد المباشر منها، ودون البحث عن هدفها، ليظهر السوري شخص غوغائي لا يفقه قيمة العمل الجماعي أو لا يفهم ولا يعلم ما الذي يريده. ومن جانب آخر يتداول السوريين عبارات مكررة رسختها أيام الثورة الأولى ومازالت إلى اليوم تعاد، وهي أن السوري رأسه كبير ولا يقبل الإهانة ولا الضيم، وأن الموت أسهل عليه من ابتلاع المذلة.
وقد رأينا أمثلة كثيرة تؤكد صحة الحالتين! فمعظم الشعب مازال إلى اليوم يحاول إسقاط معظم الأشخاص الذين إعتلوا مناصب سياسية وإجتماعية بطرق غير منظمة، من خلال استخدام عبارات التصغير والإقلال من شأن صاحب المنصب وبوسائل أقل ما يقال عنها أنها فوضوية وغير منضبطة.
كما يسعى معظم السوريين الى رفع قيمة السوري معنويا” أمام التحديات والتضيقات التي يواجهها في شتى البلدان، ليثبتوا بأن كرامته فوق كل إعتبار، وأيضا” بأساليب عفوية فطرية غير مدروسة، كعبارات: الشعب السوري ما بينذل، و الموت ولا المذلة.
ولكن إذا أمعنا النظر ودققنا وراقبنا عن كثب سنجد بأن الإنسان السوري وبعفويته التي يعاب بها يعرف بالضبط ما الذي يريده، ولو راجعنا عبارات الشتم العفوية التي يطلقها على من بالضبط يطلقها، سنتأكد بأنه بالفعل يعرف ماذا يريد وسنعرف ما الذي لا يريده هذا الشعب.
الشعب السوري الذي خرج بثورة من أعظم ثورات التاريخ، خرج ليقول أننا لا نريد الفساد ولا المفسدين، ولا نريد التسلق ولا المتسلقين، ولا نريد وجوه من كرتون تمثل دور القادة وهم بالأصل توابع لأجندات بعيدة كل البعد عن مشاكل وهموم الناس، وهذا ما أثبته هذا الشعب عندما قدم أكثر من مليون شهيد قربانا” لذلك، وهذا ما حولهم من أسياد وملاك إلى لاجئين بعدد لم يشهده التاريخ.
نعم إنه يشتم ويقذف من يستخف بتضحياته وقرابين ثورته العظيمة، التي تجاوزت ال 12 مليون ما بين شهيد ومهجر ومعتقل.
نعم الشعب السوري يشتم الدمى التي تحولها الدول لشخصيات إعتبارية دون أن تمتلك تلك الدمى الحد الأدنى من مقومات القيادة والإدارة.
نعم الشعب يشتم من يحول قضيته العظيمة إلى سلل غذائية ومساعدات خيرية صغيرة لا تتناسب مع عظمة ثورته التي تضع كرامة وحرية الإنسان في أولى المراتب، داخل سورية وخارجها.
نعم الشعب يشتم ويقذف من يتملق لحكومات العالم ويتجاهل ألمهم في مقابل أن يحظى شخص أو أكثر على منصب وهمي يؤخر ولا يقدم ويجعل من قضيتهم ورقة للألعاب السياسية والتنافس بين الأحزاب في بلدان المهجر.
نعم إن الشعب وبعفويته يقبل كل شيء إلا أن تهان كرامته وأن يعامل بعد كل تضحياته كجاهل لا يفهم مقاصد السياسة وأبعادها ومصالحها. إنه يشتم بدون توجيه من أحد، ليس لأنه يحب الشتم والقذف، ولكن لأنه يتم الاستخفاف به وبرأيه وبتطلعاته من خلال تنصيب كركوزات لا ترقى لحجم مصائبه ولا ترقى لحجم آماله.
ومن الطبيعي أن يشتم إذا ما تم تولية أمره لأشخاص لا يربطهم مع هذا الشعب أي رابط حقيقي سوى العنوان العريض الذي يتم استخدامه كمبرر لحكمهم وكوسيلة لتأطيرهم و تأطير ثورتهم التي هزت العالم ودفعته للوقوف جميعا” في وجهها.
فإذا أردنا أن نعلم لماذا يشتم الشعب السوري، فعلينا أن نركز على الجهة التي يطالها الشتم، من هي وماذا تفعل لكي يجمع الشعب كله على شتمها، ولا يكفي أن نقول بأن الشعب السوري يمارس عملية الشتم وكأنه شعب طارئ لا يفقه لغة ثانية، هذا الشعب الذي صبر لمدة تسع سنوات على قيادات مازالت إلى اليوم تثبت الفشل بعد الفشل، من حقه أن يشتم من أضاع أحلامه ومسخ رؤاه وقزم ثورته التي لم يسعها العالم بأسره.
هذا الشعب الذي قال: “الموت ولا المذلة” يعلم تماما” ماذا يعني أن تموت واقفا” على أن تمس كرامته وعنفوانه. فالعيب ليس فيه لأنه يشتم، ولكن كل العيب فيمن أجمع الشعب كله على شتمه وقذفه ونعته بأبشع الصور وهو مازال يزاول عمله دون إكتراث ولا حياء ولا إحترام لكلمة الشعب وإرادته. العيب في المشتوم وليس في الشاتم عندما يكون كل الشعب مجمع على موقف واحد ويواجه هذا الموقف بإستنكار من قبل من يفتقر لأدنى درجات الحس والخجل.
إشتموا الفاسدين فإني معكم من الشاتمين.
عذراً التعليقات مغلقة