* محمد الحامد
مع إنطلاقة ثورات الربيع العربي.. ألهمت صيحات التونسيين والمصريين “الجيش والشعب إيد وحدة” نفوس الكثير من السوريين فأرادوها عُكّازًا ودرعاً لتحقيق حلم التحرر من نير الإستبداد الجاثم على صدورهم منذ خمسين عاماً، وباعتبار أن جيش تونس حمى المتظاهرين من الشرطة والمخابرات، واحتجز الجيش المصري رئيس البلاد وخلعه، أراد الشعب السوري تقوية قلبه والصدح بشعار “الشعب والجيش إيد وحدة” بالرغم من مناشدات وتحذيرات الآباء ممن عاصروا وشاهدوا فظائع الجيش السوري في ثمانينيّات القرن الماضي في سورية ولبنان.
ما إن صدح أول صوت بالحرية، واجهته عناصر المخابرات والشبيحة بالرصاص والذبح بالسكاكين، ومضت الأيام، ومع ازدياد مساحات التظاهر في سورية ، وصلت للملايين في بعض المناطق، أحسً الدكتاتور بالخطر، فأطلق يد الحرس الجمهوري الأكثر ولاءً لنظامه، على رقاب الشعب المطالب بحريته، وقف الشعب أمام الدبّابات واستحضر شعار تونس ومصر وراح يهتف “الجيش والشعب إيد وحدة” على أمل أن يحميه هذا الجيش الذي هو من أبنائه وإخوته في الوطن، ولن يسمح بقتلهم … لكن! صدقت تحذيرات جيل الثمانينات وأخذ “الجيش العقائدي” يقتل الشعب ويدمّر بيوت شعبه ويغتصب النساء ويسرق ممتلكات أهله.
لم يشعر السوري يوماً أنه يخدم وطنه أثناء أداء خدمة العلم في الجيش السوري، كان الجيش بالنسبة للسوري مكان لإهانة البشر والتقليل من كرامة الإنسان وإذلاله.
آخر كلمة وداع من الأصدقاء قبل السفر للجيش: “لاترميها واطية وديربالك تصير حاجب”، حاجب مصطلح ووظيفة من اختراع منفصمي آل الأسد لإذلال وإهانة السوريين واستعبادهم.
لم يكن أداء الخدمة العسكرية على أساس وطني البتة، حافظ الأسد وابنه جعلا من الضباط “العلويين” أرباباً على السوريين في الجيش وخارجه، ويحق لهم ما لايحق لغيرهم.
الكليّات العسكرية التي يحررها الثوار اليوم في حلب كانت تخرّج المئات من الضباط سنوياً, يتم إعدادهم على أنهم أرباب المجتمع وصفوته,،كلية التسليح مثلاً كان مبنى طلاب الضباط الخاص بالذين لم يتخرّجوا بعد وهم من كان يرأس ويدرب ويشرف على دورات التلاميذ المجندين, أطلقوا على هذا المبنى إسم “الكعبة”، ويرغمون التلاميذ المجندين على الطواف حوله، في حين يجلس أحد هؤلاء الطلاب الضباط في إحدى الجهات ويجبر التلاميذ على إلقاء التحية في كل طواف حول المبنى، في حين تُمنع الصلاة في الكلية بشكل علني ويضطر غالبية السوريين من كل الأديان لأداء شعائرهم خفيةً، خوفاً من العقوبة، ومنهم من يترك صلاته طوال فترة الخدمة العسكرية.
كان جيشاً يقتات ضباطه على اشتياق وخوف الأمهات والآباء على أولادهم، يكثف الأب السوري من عمله أثناء ذهاب أحد أولاده للخدمة في الجيش السوري بغية سداد مصروف الإبن خلال سنتين ونصف، ولاحقاً سنتان، والآن إلى أجل غير مسمّى، وراتب مخصص في أغلب الأحيان للضابط المسؤول عنه، حتى يرضى عن إبنه العسكري ويتقي شره “مكافات شر”، أو حتى يحصل العسكري على إجازة لزيارة أهله.
لطالما عرف السوريون أن هذا الجيش بُني من أموالهم ليقمعهم ويقتلهم إن فكروا يوماً بإستبدال آل الأسد بغيرهم.
كسوريين لاقوا الويلات من هذا الجيش، نفرح اليوم وثوارنا يحررون هذه الثكنات العسكرية والكليات، وقلوبنا تعتصر ألماً على مقدّرات الوطن الذي سخّرَته عائلة لاستدامة حكمها على 23 مليون سوري قتلت منهم خلال خمس سنوات أكثر من 500 ألف وتعتقل عشرات الآلاف وهجرت الملايين.
…