ليس غريباً أن يكون للسوريين السهم الأعلى في بورصة العنصرية التي تضرب العالم، فهم شكلوا أكبر موجة لجوء ونزوح في السنوات الأخيرة، بفضل سفاح العصر بشار الأسد الذي لم يُترك طليقاً يستبيحهم وحسب، بل جاءت أبشع قوتين في العالم لمساندته (روسيا وإيران)، ومن ثم شاركتا في ملاحقة الهاربين من جحيمه وإضرام نار الأحقاد تجاههم.
الجحيم السوري لم يُسعّر في دولة غربية أو (معادية)، بل في الشقيقة (سوا ربينا) التي استحالت سكيناً مشحوذة بالأحقاد، فمن لبنان جاء القتلة الأطغى المدججون بأحقاد طائفية (مقدسة)، ومن لبنان بدأ تسعير الجحيم تحت أقدام النازحين العزل الفقراء، فالذين فروا من مُدى (نصر الله) وجنوده، كان لهم جبران باسيل بالمرصاد، ليردهم على أعقابهم إلى غيابات سجون الأسد أو مقاصله.
ومهما استطاعت القلوب أن تغفر والعيون أن تشيح والذاكرة أن تتغافل.. فإن اللاجئين الذين أجبرهم الأشقاء المزعومون على هدم خيامهم بأيديهم، إمعاناً في إذلالهم، لن يمتلكوا شيئاً من مفردات المغفرة، ولن ينضح قاموسهم إلا بما مُلئ به من حقد مسنون.
عنصرية باسيل تجاوزت حدود لبنان، وهذا كان مخطط الروس، وما باسيل إلا أداته التنفيذية، لتصل شرارة العنصرية الموجهة ضد السوريين دون غيرهم، إلى معظم المحيط العربي الذي كان زاهداً من الأساس في استقبال السوريين، إلى درجة أن طالب محامٍ مصري بمراقبة أرزاق السوريين وتجارتهم وفرض تقييد على أعمالهم، حسداً وضيقاً بنجاحات بعضهم، ودفعاً للتضييق عليهم وصولاً إلى طردهم أو إجبارهم على ركوب بحر جديد في وقت ضاقت به الأبحر والشواطئ الآمنة.
وفي (الجنة الموعودة) التي ظن من وصل إليها أنه على أبواب نعيم مقيم، يشكو كثير من اللاجئين (غير الاقتصاديين خصوصاً) تصاعد النقمة عليهم من قبل العنصريين الذين تعرج أحزابهم صاعدة إلى مقاعد البرلمانات ومنصات الحكم، فيختلط الحابل بالنابل، ما بين مراكب تنقل مهاجرين إلى أوروبا تلتقي بمراكب تقلّ أقرانهم العائدين في هجرة عكسية من أوروبا إلى تركيا!.
وفي هذه الأخيرة، التي يقطنها نصف اللاجئين السوريين (نحو 4 مليون من حوالي 8 مليون لاجئ في دول العالم)، تتصاعد موجات العنصرية وتعلو بشكل صار معه المركب يهتز، وإن كان غير مهدد بالانقلاب حتى الآن.
تركيا، كانت وما زالت، الموئل الأخير للهارب من جحيم الأسد وحلفائه، أو الذي يضطر لتجريب منفى جديد بعدما ضاق به منفاه الأول، فنلاحظ تدفق السوريين عليها من الدول العربية، وحتى من بعض الدول الأوروبية.
إلا أن فوبيا السوريين قد وصلت إليها فيما يبدو، فضربت في إسطنبول، بعد عدة ولايات، والسبب الجلي والمباشر هو تسلّم رئاسة بلديات تلك المناطق من قبل شخصيات تنتمي لأحزاب المعارضة، ولعل التمظهر الأكبر للمرض ظهر في إسطنبول مؤخراً، بعد تولي أكرم إمام أوغلو قياد بلديتها، ما دفع إلى استشراء المظاهر العنصرية والإقدام على أعمال عقابية جماعية بحق السوريين في بعض المناطق (إكيتيلي) مؤخراً، وازدياد الاعتداءات الفردية.
صحيح إن الحكومة التركية والأجهزة المتخصصة تطوّق الأزمات بسرعة، إلا أنها لا تأتي بما يزيل أسبابها ويمنع تكرارها، ما جعل السوريين يتساءلون عن مستقبلهم القريب والمتوسط حال مواصلة بعض متطرفي المعارضة التصعيد ضدهم، وفي ظل عدم تشريع قوانين فاعلة ونافذة تضمن حقوقهم وواجباتهم وتمنع استهدافهم.
المشهد المُغلق الذي وُضع فيه السوريون جعلهم يبدون وكأنهم يتنقلون بين طبقات الجحيم، من لظى إلى السعير إلى سقر!..
لكن لا يشك أحد منهم بأن قعر الجحيم هو هناك، في دمشق المحتلة والمناطق السورية المُخضعة لروسيا وإيران، حيث الميليشياوية والانتهاك والإذلال والإجبار على (الدبكة) كلما داسوا عليهم.. يدبكون مع كل موت محمول على صاروخ، وعلى طوابير الخبز والغاز والبنزين، ويرفعون صور (القائد) الذي اغتصب كينونتهم ووجودهم.. ويدبكون حتى الموت راكعين خاضعين ناكسي رؤوسهم.. تحت صور (القائد) وجميع (القوادين).
عذراً التعليقات مغلقة