قد تكون الهجرة أحد الحلول المفترضة للإنسان في حال عدم حصوله على حياة كريمة في بلده، ويفترض أن يكون هذا الخيار هو الأصعب والأخير لكل إنسان مهما ناله من بلده من ظلم أو حيف.
وبالرجوع إلى سنين الثورة الأولى وكيف أن شد الرحال إلى خارج سوريا كان أهون من السفر بين محافظاتها، في هذه المرحلة لم يكن هم السوريين أن يعيشوا حياتهم برفاهية بل كان همهم الوحيد هو العيش بأمن واستقرار حتى ينتهي هذا الكابوس المؤقت بعد عدة شهور كما كان يفترض قياسا ببعض الدول العربية التي ثار شعبها وتخلص من حاكمه.
لكن لا يمكن القول بأن الوصول إلى الجهة المنشودة هو كل ما يسعى إليه اللاجئ السوري، فمجرد الوصول لا يعني الحصول على الحقوق الطبيعية للإنسان، إلا أن هدفا واحدا لا يمكن التخلي عنه ويعتبر الأهم والكافي للكثير حتى يهاجروا من بلدهم وهو العيش بأمان، إلا أن هذا الحق لا يمكن تحققه بمعزل عن تطبيق القوانين والاتفاقيات التي دعت إليها المنظمات صاحبة الإهتمام بحقوق الإنسان، وحتى هذه الاتفاقيات لا يمكن أن تكون ملجأ آمنا يمكن الاعتماد عليه ليكون الحق مطلقا، وغالبا ما يكون في كل دولة ما يمكن أن نسميه ثغرات اختيارية لعدم تطبيق القوانين بشكلها الكامل وخاصة ما يتعلق بالقوانين الدولية التي يصعب تفسيرها دون تغليب المصلحة العامة للدولة، ودائما ما يكون في قوانين الدول ما يحفظ حقها بإبعاد اللاجئين تحت مسميات كثيرة سواء الأمن القومي أو مصلحة الدولة وغيرها الكثير من المسميات المطاطة والمرنة والتي يمكن تفسيرها حسب ما تريد.
وحتى الآن لم يحصل اللاجئون في كل الدول التي استضافتهم مرغمة على الأمان الكامل والراحة والطمأنينة من التفكير بما قد تقره هذه الدولة من قوانين ضدهم كالترحيل أو الحرمان من بعض الحقوق وهذا يخالف القوانين الدولية التي تحفظ حقوقهم.
ويبدو أن بعض الدول التي يتواجد فيها سوريون هربوا من الخطر تصر على وصفهم بالمهاجرين بدل اللاجئين وهذا ما يعرض حياتهم وأمنهم للخطر، وتزداد يوما بعد يوم الصيحات المنادية بإبعاد السوريين وإعادتهم لبلدهم واستخدامهم كملفات ضغط وتصفية حسابات ودعايات انتخابية بين الأحزاب الموالية والمعارضة. لكن الأمر الملفت هو وقوف الأمم المتحدة والمفوضية السامية لشؤون اللاجئين موقف المتفرج وعدم القيام بأي نشاط إيجابي من شأنه توفير الحد الأدنى من الأمان كي يتسنى لهم ممارسة حياتهم بشكل طبيعي.
والملاحظ في السنة الحالية عودة التفكير بالهجرة بشكل كبير بين السوريين في الشمال السوري وخاصة بعد الهجمة الأخيرة من قبل قوات النظام وداعميه بعد أن كان الشمال المحرر الخزان الداخلي لرافضي الهجرة خارج سوريا وللعاجزين عنها ماديا، لكن يبدو أن الشعور بالخطر أصبح كبيرا إضافة إلى تفاقم وسوء الوضع المعيشي وغلاء الأسعار كلها وضعت الكثير بين خيارين إما البقاء وانتظار المجهول مع كل ما يحمله من احتمالات سلبية أو ركوب سفينة الهجرة وتحمل كل ما يواجهه لأن العودة للوراء أكثر صعوبة فمن يقرر الخروج من المناطق المحررة والذهاب إلى الدول الأوروبية ولم يجد ضالته لن يعود مجددا إلى المناطق المحررة بل ربما سيكون لديه مساحة كبيرة للتفكير بالرجوع إلى مزرعة الأسد والتنعم بما فيما من ذل وهوان.
مجددا يبقى السوريون مجرد أرقام تدخل في قوائم الدول والأمم المتحدة دون ذكر أسباب خروجهم من هذه القوائم إن كان موتا أو اعتقالا أو ترحيلا قسريا، وإن لم يظهر حتى الآن أي من هذه المخاوف بشكل مباشر إلا أن الخوف وعدم الشعور بالأمان كافٍ لأن يمنع اللاجئ السوري من ممارسة حياته مقارنة باللاجئين من دول أخرى.
عذراً التعليقات مغلقة