تجاوزت حصيلة خارطة منافي الشعب السوري أربعة ملايين لاجئ في السنوات الثمان الأخيرة، منتشرين في قارات العالم كلها.
وبالنظر إلى الواقع على الأرض، يلاحظ المتأمل تراجع حدّة الأعمال العسكرية بين قوات النظام وحلفائه من جهة وبين فصائل المعارضة من جهة أخرى، وانحسارها في الشمال السوري بعد سيطرة قوات النظام على معظم الأرض السورية حرباً أو تصالحاً.
وبالرغم من ذلك، وما رافقه من عودة الاستقرار ولو بشكلٍ نسبيّ كبير قياساً على ماقبل، وبالرغم من النداءات التي أطلقها النظام بشأن عودة السوريين إلى حضن الوطن، والمساعي الروسية الدولية لنفس الغرض إلا أن الملموس هو تواضع أعداد اللاجئين السوريين العائدين، سواء من الدول المجاورة أو من الشتات الأوربي والأمريكي.
فعلى سبيل المثال لم يتجاوز أعداد اللاجئين السوريين العائدين من الأردن (13) ألفاً من أصل (675) ألف مسجلين على لوائح المفوضية السامية للاجئين السوريين، منذ فتح معبر نصيب أواسط تموز عام 2018، مع العلم أن العدد الإجمالي للسوريين الموجودين في الأردن يجاوز مليون وستمائة ألف دخلوا الاردن عقب أحداث الثورة، ذلك أن أعداداً دخلت عبر المنافذ الرسمية بشكل قانوني.
وأمام تواضع أعداد اللاجئين السوريين العائدين هذا، ترى هل كان الشاعر مخطئاً حين قال:
وطني لو شُغلتُ بالخُلْدِ عنه
نازَعتْني إليه في الخلدِ نفسي
وهل حالت مشاعر الطمأنينة والأمان وحضارة أوربا دون عودتهم إلى وطنهم الذين طالما بثّوا إليه حنينهم بالعودة إليه؟
ولعلّ معرفة أسباب تواضع أعداد اللاجئين تتضح عند الإجابة على التساؤل التالي: ماذا ينتظر اللاجئين السوريين عند عودتهم إلى حضن الوطن؟
الحقيقة أن هناك أسباب منها ماهو واقعي اجتماعي، ومنها ماهو قانوني.
فالعودة إلى المناطق غير الخاضعة لسيطرة النظام محفوفة باحتمالات الموت بالبراميل المتفجرة والصواريخ التي تلقيها طائرات النظام والاحتلال الروسي.
أما الراغبون بالعودة طواعية إلى مناطق سيطرة النظام، فمن البديهي القول أنّ حالة حادة من انعدام الثقة، تجذّرت في نفوس اللاجئين – بعد سنوات الحرب التي قتل وهجّر فيها النظام الملايبن من السوريين – تحول دون التفكير بالعودة، وهذا يرجع أيضاً إلى (مجموعة قوانين مجرمة) اتخذها النظام تتلخص في:
1- قانون التجنيد الإلزامي: حيث يواجه العائدون من الشباب خطر سوقهم إلى الخدمة العسكرية الإلزامية في جيش النظام وزجهم في معارك مع أبناء وطنهم الذين كانوا بالأمس معهم في خندق واحد.
كما يواجه كل من هو في سن الخدمة العسكرية ملاحقات قانونية بجرم التخلف عن أداء الخدمة الإلزامية والاحتياطية والفرار في حالة الحرب التي تصل عقوبتها إلى الأشغال الشاقة المؤقتة وحتى الإعدام أحياناً.
2- قوانين الإرهاب: فكما هو معروف لقد أعدّ النظام أكثر من مليون ونصف ملف ملاحقة أمنية استناداً لقوانين مكافحة الإرهاب بحق كلّ من خرج من سورية بعد أحداث الثورة، فبحسب قوانين الإرهاب السورية يُلاحق بجرم الإرهاب كل سوريّ ٍ لمجرد وضعه إشارة إعجاب على منشور مؤيد للثورة على صفحات التواصل الاجتماعي. فلنا بعد هذا أن نتخيل ما النتيجة .
ومما يجدر ذكره أن ّ النظام لم يكتفِ بملاحقة الناشطين والمعارضين الموجودين في الخارج، بل تجاوز ذلك إلى جملة من الضغوط والممارسات التي تتعرض لها أُسرهم في الداخل السوري من قبل أجهزة النظام الأمنية.
بالإضافة إلى ذلك فإن ما ينتظر العائدين – سواء إلى مناطق سيطرة النظام أو المعارضة – واقع اقتصاديٌ واجتماعيّ وخدميّ وأخلاقيّ متردٍّ، حيث المساكن في المدن والبلدات والقرى شبه مدمرة، إضافة إلى غلاء المعيشة وانتشار البطالة والفساد وقصور البنية التحتية، وعدم توفر الخدمات الحياتية الأساسية من ماء وكهرباء وغاز وأدوية، وانتشار عصابات الخطف بقصد الابتزاز.
تُرى هل بعد كل تلك العوائق يقبل أيّ لاجئ سوريٍّ عاقل بالعودة إلى وطنه إلا بعد محاسبة من كان سبباً في قتل وتدمير وتهجير الشعب السوري، إذ أنه صحيحٌ كما يقول بعض الساذجين هناك وهناك أن سورية رجعت، ولكن الصحيح أيضاً أنها رجعت لنظام الأسد الذي جلب الويلات لسورية وشعبها.
عذراً التعليقات مغلقة