تبعثرت أحلامهم وتلاشت طموحاتهم، وتضاربت الأفكار وتحطمت فوق صخور شطآن رست عليها جثثهم، هربوا من الموت بحثاً عن الحياة، بحثاً عن موطئ قدم فيه للإنسانية مكان، فيه رحمة واحترام لحقوق الآخرين.
لم يعلموا أنها رحلتهم الأخيرة بعد أن سلكوا طريق المجهول، كل ظنّهم أنهم عائدون ليعيدوا بناء ما دمّره الطغاة، عائدون ليلتقوا بأحبة فارقوهم من دون دموع، لأنها جفّت، ففي قلب كل منهم غصّة، حينما يستذكرون أحياءهم التي ستفتقدهم إلى الأبد.
معتقلون في زنزانات القهر يحلمون برؤية شمس الحرية، يتسامرون في سجنهم، في ذاكرة كل واحد منهم بحر من الحنين لرؤية أولاده وأبويه وإخوته، يحلم أن الغد أجمل، وأن اللقاء واقعٌ لا محالة، ويتلاشى الحلم في لحظة من اللحظات مع سماع صوت ذلك السجان البغيض، لتعود الغصة إلى القلب.
سوريون مبعثرون في البلاد، مشتتون في الخيام، حلمهم العودة والوقوف على أنقاض بيت مدمر، آملين بترك خيامهم المليئة بالذل، بترك الأوطان التي نظر إليهم أهلها على أنهم لاجئون، كنظرة السيد لعبده، لكنهم ليسوا كذلك، هم أسياداً كانوا في أوطانهم.
في قلب ذلك الطفل غصة حينما يرى زملاؤه يلبسون ثياب المدرسة وهو لا يستطيع، الحروف متشابهة عليه، والأرقام كما المخطوطة، حلمه بات أن يستطيع إمساك القلم بيده ليخط به طريق النجاح، وأن يمحو بممحاته مأساة عاشها على مدى تسع سنوات، حلمه أن يكون كأطفال العالم، يملك وطناً يرسمه على دفتر، يملك حقيبة يضعها على ظهره سالكاً طريق المدرسة مع رفاقه، جيل كامل بلا تعليم، نعم أكبر الوجع أن يكبر جيل بلا تعليم، والعالم كله يتفرج.
عذراً التعليقات مغلقة