سؤال يستحوذ على تفكير كثير من المتأثرين بما آلت إليه الثورة السورية، من سيكون الأوفر حظاً في علاقته مع تركيا؟ هل هي دولة روسيا أم الشعب السوري؟ وحتى نتوصل إلى جزء من الإجابة لابد أن نعي السبب الرئيس في علاقة تركيا مع كل طرف. فالبعد الاستراتيجي لتركيا، المتمثل في الموقع والسيطرة على البحر الأسود، وما حققته من قوة اقتصادية وصناعية وعسكرية يضعها في مصاف الدول ذات التأثير العالمي.
وقد يرى المراقبون أن العلاقة بين روسيا وتركيا لا يمكن أن تتجاوز حدود التمثيل الدبلوماسي، لما تمثله كل منهما من تيار ديني مختلف. لكن البيئة المعقدة والواقع المفروض على الساحة السورية، أجبر تركيا على إعادة النظر في علاقاتها مع الأطراف كلها، خاصة أنها أصبحت طرفاً في ما يجري في سوريا، وقد شكل وجود مناوئين لها على الحدود نقطة ضعف استخدمته أمريكا لوضع قدم لها في المنطقة، وروسيا لاحقاً للضغط عليها لإملاء شروطها.
ومهما كان نوع الدعم الذي تقدمه تركيا للشعب السوري، فهو لن يكون على حساب مصلحتها وأمنها المهدد بشكل رئيس من طرف “حزب العمال الكردستاني” وأذرعه، وهذا ما دفع تركيا إلى التدخل العسكري ووضع المناطق الحدودية تحت وصايتها، ومع ذلك فإن هذا الأمر ما زال يستخدم ورقة ضغط سياسية وعسكرية للتخلي عن بعض الآمال التي ينتظرها الشعب السوري.
ما يجري في شمالي سوريا الآن يؤكد أنه لا نية لأي دولة في الحفاظ على الشعب، بل إن الأمر تجاوز ذلك إلى استخدام الشعب ورقة لعب للحصول على مكاسب أكثر، وبات الحديث عن حماية المدنيين والمناطق الآمنة حديث فارغ، وإن ثبت ذلك في اتفاقيات معلنة، لأن ما يطبخ في الخفاء يتجاوز كل ما يتفق عليه في العلن. وبعد تنحي إيران وأمريكا ظاهرياً عن دورهما في الحرب على الشعب السوري، بقيت الساحة فارغة لكل من روسيا وتركيا، وكلتاهما تبحثان عن كمية كافية من النصر اللازم لبقائها مسيطرة على أدواته العاملة على الأرض.
ومقارنة مع الخدمات التي قدمتها روسيا لنظام الأسد، فإن تركيا حتى الآن لم تستطع منح قليل من الأمان لمنطقة صغيرة، وهذا يشير إلى عدم رغبتها في تحقيق هذا المطلب الذي يعد الأهم بالنسبة إلى الشعب السوري، وكل ما يثار على الإعلام من إنشاء منطقة آمنة، ما هو إلا رسائل مبطنة غايتها تأجيل الاتفاقات السرية بين تركيا وروسيا حتى تتمكنان من تحقيق أهدافهما في لوي ذراع المليشيات الكردية من جهة، التي لم يعد أمامها سوى خياران إما العودة تحت سلطة النظام أو مواجهة تركيا والنظام، ومن جهة أخرى قبول الشعب السوري المحاصر في الشمال بأي طرح جديد حتى لو كان لا يحقق جزءاً من إنسانيتهم.
لا يمكن أن ننكر وجود تنسيق مسبق بين تركيا وروسيا في كل خطوة إجرامية يقوم بها النظام، والقول بعكس ذلك يفترض وجود أي مؤشر يدل على تفضيل تركيا لشعب السوري على المأمول من علاقتها بروسيا، وإن كان توصيفها بالشراكة في الإجرام غير دقيق في نظر البعض، فماذا يمكن أن نصف سكوتها حول كل ما يجري من قتل علني لمناطق يفترض أنها ضامنة لأمنها؟ وهل ستكون الخطوة التالية هي المساهمة المباشرة في إخضاع الشعب السوري لسلطة النظام؟
عذراً التعليقات مغلقة