الفرح بزوال طاغية لا يعادله فرح، لأنه كان وما زال من المستحيلات أن يتخلى أحد الطغاة عن كرسيه بملء إرادته، وحتى يومنا هذا، ما يزال حكام العرب يحتلون المرتبة الأولى في أطول فترة حكم، رغم كثرة معارضيهم، وشقاء شعوبهم، وكمية الفساد في بطانتهم.
اختلاف السياسات والنهج المتبع من كل صنف، سواء كان علمانياً أو ليبرالياً أو معتدلاً أو يمينياً أو يسارياً، يقابله من جهة أخرى اتفاق قد يكون معلناً أو ضمنياً في أن تكون معركة الفساد والاستبداد معركة مؤجلة، متوقفة على جرأة الشعوب، لا على ضعف الحكام، فهؤلاء، أي الحكام، ليس من صلاحياتهم التنازل عن وظيفتهم حراساً لأسيادهم، حتى لو أصبح الموت أقرب إليهم من حبل الوريد.
وقد يصعب التصديق أن القوى العالمية بمسمياتها كلها، وضعت خططاً لإدارة العالم، وهي جاهزة لكل طارئ، ويمكنها تسيير العقول كما خططت، وخير مثال ما يجري في المنطقة العربية، فالربيع العربي، وما جره من ثورات عفوية، لا بد من أنه كان أمراً متوقعاً من كهنة المعبد، ومن استطاع تعيين موظفين على رؤوس الشعوب العربية لاشك أنه وضع في الحسبان عدم صلاحية هؤلاء في فترة زمنية قادمة، وهنا سيكون البديل جاهزاً، ومن غير المعقول أن يأتوا به من إحدى جامعاتهم أو قطعهم العسكرية أو دوائرهم السياسية بل المؤكد أن البديل، في حال انتهاء صلاحية الأصيل، سيكون قد وصل إلى مرتبة الثقة العمياء سواء من أسياده، أو حتى من الشعب، وهذا لا يدل على غباء الشعب، بقدر ما يدل على الجهد الكبير الذي تقوم به الأيادي الخفية، حتى يستمر تنفيذ العقد كما هو مكتوب منذ عقود.
وإذا سألنا أنفسنا، هل استطاعت القوى العالمية أن توجه الثورات كما تريد؟ لوجدنا الإجابة حاضرة أمام أعيننا، فالحال التي وصلت إليها الشعوب العربية عامة، وسوريا خاصة، جعلت الشعب ينتقل من مرحلة التفكير في التحرر، إلى مرحلة التفكير في التحرير، وهذه نتيجة طبيعية للعبثية التي شابت الثورة في أعوامها الاخيرة وقبول الحلول المفصلة من الخارج، فتحولت الأهداف الرئيسة إلى أهداف ثانوية، وانقلب الأمر من ثورة ضد الظلم والاستبداد إلى حالة البحث عن مسار صحيح، بعد الكم الهائل من الإيديولوجيات، التي مرت وأثرت بشكل فعال في النهج المتبع من جانب من نصبوا أنفسهم حراساً للثورة، ليتكشف الأمر فيما بعد أنهم لا يختلفون كثيراً عن أتباع الدول الاستعمارية، سوى أن أولئك يعينون بإجماع دولي، أما هؤلاء، فيكفي أن يحصلوا على رضى دولة واحدة، أو شخص ذو مكانة.
ما يجري على الساحة العربية، من تبديل مواقع الصفوف الأولى بالصفوف الثانية، ليس هو ما يريده الشعب، بل الأمر يحتاج إلى نسف كامل الهرم، من قاعدته وحتى رأسه، لأن بنيته بكاملها عبارة عن عقول مستأجرة، تؤدي وظيفتها حتى يحين موعد الخلاص منها.
رغم أن مرحلة التغيير التي يراها الشعب أولى الخطوات في الخلاص من الاستبداد السائد قد تحققت في بعض الدول، إلا أن الخوف والقلق من الالتفاف على ما حققه الشعب بدأ يساور عقولهم، وخاصة بعد تجربة التغيير في مصر، التي كانت عبارة عن انقلاب عسكري مخطط له، تم تغليفه ليظهر على أنه مطلب شعبي، وهذا ما قد يحصل في باقي الدول العربية، وهو إيصال الشعب إلى حالة القبول بأي حل، من دون النظر إلى من قد يكون وراء هذا الحل.
عذراً التعليقات مغلقة