يعتقد البعض أن الثورة السورية ماتت أو هي في غرفة الانعاش على أقل تقدير، بينما أرى أن هناك ما يدعو للتفاؤل حيال مستقبل الثورة السورية.
فكما يردد البعض، الثورة كاشفة وكشفت الكثير ” أشخاصاً ودولاً”، أردد معه نفس المقولة، وأضيف عليها أن الثورة السورية عرّت الأوهام التي كنا نعيشها، وأننا اليوم في مرحلة جديدة من إعادة الاصطفاف، مرحلة تقتضي تجمع كل القوى الوطنية المؤمنة بضرورة التغيير، وفرز وتنقية الثورة من عناصر الثورة المضادة التي تغلغلت بين صفوف الثوار، وعملت على إفشال مشروعهم التغييري لصالح مشاريع ما قبل وطنية، فئوية أو حزبية أو مذهبية …، فليس كل من رفع علم الثورة أو هتف في المظاهرات مؤمن بمشروع الثورة السورية وأهدافها، وليس كل من حمل البندقية وحارب النظام، هو بالضرورة يدافع عن مصالح الشعب السوري، ويؤمن بالمشروع التغييري للثورة الذي يهدف لإسقاط نظام عائلة الأسد، نظام دولة الاستبداد، وإقامة نظام مدني ديمقراطي بدلاً عنه، بحيث تكون سوريا دولة المواطنة والعدالة الاجتماعية، دولة تبنى على أساس المواطنة المتساوية.
في الطريق للوصول لسوريا الجديدة يجب علينا أن نستعيد بعضاً من تاريخ سوريا، وبعضاً من تاريخ الثورة السورية لنستطيع من خلاله فهم ما جرى ويجري.
من الدروس التي تعلمتها من تاريخ بلادنا، أن موقع سوريا بين الشرق والغرب جعل منها قيمة استراتيجية لدى الجميع، فكنا تاريخياً ممراً اجبارياً لحركة التجارة العالمية، والآن نحن ممر مهم للطاقة، وقريب من منابع الطاقة الرئيسية في العالم (النفط والغاز) لهذا لم يكن يسمح لنا بأن نكون أحراراً بدولة قوية، فعبر التاريخ كنا إما ملحقين بالشرق (ايران، صفويين، فرس، ساسانيين ..)، أو بالشمال (رومان وبيزنطيين وسلاجقة وعثمانيين ..)، أو كنا محط أطماع للنهب (الغزوات الصليبية وغزوات الروم والتتار)، وفي المرات التي استطعنا فيها اقامة مشروعنا، كان التدخل العسكري الخارجي حاضراً دائماً ليؤدبنا، ويعيدنا لبيت الطاعة كجزء من امبراطوريات ضخمة، خاضعين لحكم أباطرة كبار، قد لا يكون أوريليان أولهم ولا غورو آخرهم، كما استطاع السوريون تقديم عدد لا يستهان به من الاباطرة والقادة والمسؤولين رفيعي المقام قد لا يكون فيليب العربي وجوليا دومنا في مقدمتهم ولا الجنرال يوسف العظمة رئيس أركان حرب القوات المرابطة في القفقاس آخرهم. ومع هذا كان الشعب السوري عنيداً ودائم المحاولة لتحقيق الاستقلال، وحين يستقل قراره لبعض سنوات كان يمكنه أن يشكل تهديداً للامبراطوريات المحيطة كما حصل مع أذينة ملك تدمر الذي دمر عاصمة الفرس، وكاد أن يطيح بالإمبراطورية الرومانية.
التنوع والتعددية عند السوريين شكل أرضية خصبة لتطور حضاري، كان سبباً إضافياً من أسباب إغاظة الجوار، ورغبته في غزو وتدمير البلد أو الحاقنا بإمبراطورتيه، بنفس الوقت كانت محاولات إلغاء هذا التنوع مصدر الخطر للدولة، فكانت محاولات إلغائه، ومحاولات فرض “التجانس” تدفع بالضعيف للاستقواء بالخارج الذي يتربص بنا دائماً، لهذا حين كنا متسامحين متقبلين للتعايش والتعددية كنا من أسياد العالم، وحين حاول البعض بسوء فهم أو تقدير إلغاء هذه التعددية، وفرض اللون الواحد، وعدم تفهم بقية الشركاء في الوطن، كنا دائماً نقع باحتراب وقلاقل داخلية، مما جعلنا لقمة سائغة على موائد اللئام.
وبقينا لزمن طويل عبر التاريخ رعايا في دولنا أو الامبراطوريات التي تحكمنا، باستثناء فترات قليلة استطعنا فيها إثبات جدارتنا وتميزنا حين أتيح لنا هذا، سواء عبر الوصول لمنصب امبراطور أو مناصب رفيعة في الامبراطورية كما شرحت سابقا مما يثبت أننا شعب حضاري ناجح وهذا سبب آخر من أسباب تسلط الأمم علينا.
الموقع الجغرافي والتنوع الثقافي والشعب الحضاري، أسباب تخيف جميع الطامعين. لهذا سعوا ومازالوا لتفتيتنا ولتسليط المستبدين والقتلة علينا، وسعوا لإفسادنا وتجهيلنا، لأن شعباً كشبعنا يمتلك هذه المقومات، إن امتلك الحرية فسيسود.
- حكاية سوريا: سلسلة مقالات تستعرض ملامح ورؤى من التاريخ البعيد والقريب لسوريا، يمكن من خلالها فهم أسباب ما يجري من حروب ودمار على أرضنا، حسب وجهة نظر كاتبها.
Sorry Comments are closed