ما زلت أذكر تلك الضحكات التي تملأ الأنحاء بهجةََ و سعادة، هذه البسمة التي يراها الجميع، ربتة أصابع الأيدي على ظهر صديقة خلال حضن قوي يشع دفئاً، المشاعر المتدفقة، نبرات الصوت التي تعزف سيمفونية تسمو وترتقي بكل من حولها.
تتبدل الأحوال وتمر الأزمان والأحداث، زواج، فحمل، فولادة، فعمل، فسعي حثيث إلى متطلبات لا تكف ولا تنتهي، وأحياناً لا تسمن ولا تغني من جوع، أو ربما دراسة، فدراسة، فبحث عن عمل، فعطل وملل وضجر، أو عمل وضغط وروتين محبط.
يتبدل الأحباب وتغيب وتُفقد أرواح كانت لنا سنداً، يخون حبيب أو يهين زوج أو يعق أبناء، وفي ظل هذه الغيابات يخبو ضوء شغفنا بالحياة شيئاً فشيئاََ، تعلق أرواحنا حائرة هل هي في الحياة الدنيا، أم في الآخرة.
قلق وتوتر، حزن وبكاء، عزلة ووساوس وربما اكتئاب قد يصل إلى الانتحار حين ينطفىء شغف الروح أو يزهق الأمل في الحياة، محاولات صعود وهبوط، موت وحياة، بقاء قلب ينبض وروح ما زالت في الجسد ولكنها مقيدة على أجهزة الإغاثة والتنفس الإصطناعي.
قليل من التيه مسموح، وبعض البكاء جائز، لكن إنقاذ نفسك واجب وفريضة، قال تعالى: “إنه هو يبدىء و يعيد* وهو الغفور الودود”، أليست بشرى جميلة تدفعك نحو البدايات الجديدة وتطمئنك أن خطأك سيغفر وفي تعبك هناك ود ينتظرك؟
فهل انبعثت من جديد؟
أنت دليل يستدل بك، أنت سراج يضيء لنفسه ولكل من سار في ظله، فسواء كنت تلك الزوجة التي يتكىء عليها زوجها، أو هذه الأم التي تتعلق عيون أبنائها بها لتدلهم في متاهات الحياة المتعثرة، وربما تلك الفتاة التي هي أنفاس الحياة لأحد والديها أو كليهما.
متطوعة، معلمة، داعية، تاجرة، عاملة، مدربة، كيفما كانت حالتك وأينما كان موضعك لابد أن تبعثي من جديد، هذا الانبعاث الذي يعيد شغفك وروحك النضرة، هذا الانبعاث الذي تلمع به عيناك وتشرق به الزهور في وجنتيك، هذا الانبعاث الذي تتمايل معه الكائنات كلها حولك طرباً وسعادة.
فهل سأنبعث فوراً بعد قراءة هذا المقال من جديد؟
يؤسفني أو ربما يسعدني أن أخبرك أن هذه الكلمات ليست مصباح علاء الدين السحري الذي بمجرد أن نزيل عن سطحه الأتربة ونفركه سيخرج لنا المارد الذي يحقق لنا أمنية الانبعاث من جديد، وأيضاً ليست الوصفة السحرية سريعة المفعول التي ستوقظ أرواحنا بعد سبات عميق، إنها فقط ومضات إن وجدت عندك ما يلهبها فربما تصير وميضاً يضيء منارتك وينشر دفئاً بين أضلعك وإلا مضت تلك الومضات وانطفأت.
هنا محطة تعبئة وقود على قدر “تموينك” على قدر عدد الكيلومترات التي تستطيعين قطعها في طريق انبعاثك من جديد، فما هو السبيل إلى الانبعاث؟
لأن لكل داء دواء ولكل مرحلة من المرض قدر من العلاج ولكل علاج فعال ثمن غال فدعونا نعرض لبعض الإختبارات:
إمكانات إرادتك قليلة وشغفك قيد الحياة، ربما يعينك “البانادول” تلك المسكنات المنشطة من نزهات البحر والخضرة وربما بعض الكافيهات مع “ناس بتكوني بطبيعتك معاهم”، أو زيارة سنتر تجميل تعملي “باديكيير” ومساج وتدللي نفسك قليلاََ، غني، ارسمي، ارقصي، “هيسي”، فقليل من التهييس لا يضر.
أما إن كنت من النوع التالي، إمكانات إرادتك جيدة وشغفك قيد الموت، فإلى جانب ما ذُكِرَ من مسكنات أنت في حاجة إلى علاج فعال ووصفة دوائية قد تشمل زيارة مختص نفسي “طبيب – مستشار – معالج” أو الإطلاع والغوص في بعض القراءات أو مشاهدات المواد ذات الطابع النفسي التطويري التنموي الاجتماعي وربما العاطفي.
اقرئي “الخروج عن النص” للدكتور محمد طه ليصحبك كتطبيق “GPS” لتصلي إلى عنوان يرشدك في رحلة انبعاثك.
اقرئي “سكن” لريهام حلمي في محاولة لتدريب ذاتك على صفاء الروح في حلو المشاعر ومرها، أو “سندريلا سيكرت” لهبة السواح واعرفي أن كل من ذهبت في طلب سعادتها خارجها لم تجدها ولم تعد.
هذا ما تؤكده لنا قصص نراها بأعيننا لتلك الزوجة التي تركت كل شيء من أجل بيتها وزوجها حتى إذا أشرفت على موت روحها بخيانته فإذا بها تنبعث من جديد بتحقيق أحلام وأهداف شبابها فإذا به يعود مسرعاً نادماً وتصبح زمام الاختيار في يدها، أو ربما هذه الفيديوهات الملهمة عن تلك المرأة التي أصيبت بعضال الداء فكان سبباً في انطلاقها في مجال التعلم والتدريب وربما الإلهام لكثير من النساء.
كلمة السر هي “أهدافك”، “أحلامك”، “شغفك”، الأشياء التي تسمح لداخلك بالتنفس والإشراق وتجعل خارجك يلمع. ابحثي عنها وجديها، وإن لم تكن موجودة فاخلقيها، تشبثي بها، لا تتركيها، طارديها واتبعيها.
و في الخاتمة لا تيأسي؛ فالانبعاث لا يشترط أن يكون ذا بريق؛ فربما يكون انبعاثاً في الظل كمصالحة مع نفسك أو مع بعض الشخصيات المهمة في حياتك.
قد يكون انبعاثاً هادئاً ينعكس في علاقة صادقة عميقة مع ربك، أو انبعاثاً تنبت ثماره قليلة ولو بعد حين، لا يهم نوع الانبعاث أو شكله، لا يشغلك مقدار الانبعاث وبريقه، يكفي أن تنبعثي من جديد فحسب، ربما يكون هناك من يمشي خلفك مهتدياً بنورك، فلماذا تطفئينه؟
عذراً التعليقات مغلقة