انطلقت الثورة السورية تنادي بالحرية وكانت الهتافات واضحة “حرية حرية” .. “الله سورية حرية وبس” بالإضافة للتضامن مع درعا “يا درعا نحن معاك للموت” كما هتف شباب الثورة “لا سلفية ولا إخوان” وكان التوجة المدني الديمقراطي واضحاً وشارك المثقفون والفنانون والكتاب في النشاط وقاد بعضهم المظاهرات.
كانت اتهامات النظام للمتظاهرين بأنها ليست ثورة إنما هي “منظمات إرهابية مسلحة”، وشاءت الإرادة الإقليمية تخريب ثورتنا خوفاً من نظام ديمقراطي يكون قدوة لشعوبهم فينتفضون بوجههم، وكانت الخطة جعل الشعب السوري عبرة لمن لم يعتبر، فصار ترهيب الشعوب: هل تريدون أن نصبح مثل سوريا؟
كان المتظاهرون يحملون الورود ليقدموها لعناصر الجيش، فقابلهم هؤلاء العناصر بالرصاص وتم قتل كوادر التنسيقيات الأولى واعتقال وتهجير البقية، ودفع الناس دفعاً باتجاه العمل العسكري وأخرج زعماء القاعدة من السجون وسهل لهم حمل السلاح ويعرف الجميع بقية القصة ومسار القضية.
قد تكون العواطف دفعت جمهور الشعب السوري المتدين بطبيعته إلى تأييد هذه المنظمات بشكل أو بآخر ظناً منهم أن هؤلاء لهم قضية ومظلومية وسيدعمون الثورة في سبيل التخلص من نظام الأسد، إلا أنني أتساءل عن العقل لدى قادة المعارضة وقادة التنسيقيات الذين أخرجوا المظاهرات تأييداً لجبهة النصرة على اعتبار أنهم من أبناء الشعب السوري.
سأستذكر معكم كلام الشيخ معاذ الخطيب أول رئيس للائتلاف، الذي انتقد قرار الولايات المتحدة الأمريكية وضع جبهة النصرة على قائمتها للمنظمات الإرهابية ودعاها إلى مراجعة قرارها مضيفاً “قد يكون هناك اختلاف مع بعض الأحزاب ورؤيتها، لكن المؤكد هو اتفاق كل المعارضة على الإطاحة بالنظام السوري الإجرامي” وتابع أنه “لا حرج إذا كان المعارضون تحركهم دوافع دينية لإسقاط النظام”، وكأننا خرجنا في ثورة بسبب اختلاف ديني بيننا وبين النظام، ونسي أو تناسى أن الهتافات في الشارع كانت واضحة لا غبار عليها “حرية حرية” “الله سوريا حرية وبس”، ويعلم الجميع أن الشعارات الطائفية التي خرجت في حمص مصنوعة في فرع الأمن العسكري، إذا طبيعة الثورة طبيعة وطنية ديمقراطية وليست ذات طبيعة دينية.
وفي نفس السياق، قالت جماعة الإخوان المسلمين في بيان لها في ذلك الوقت إن إقدام بعض الدول على تصنيف قوى ثورية سورية في عداد المنظمات الإرهابية هو إجراء “متعجل خاطئ ومستنكر”، وطالبت الجهات الدولية التي اتخذت هذه الخطوة بمراجعة موقفها في ضوء معطيات الواقع وشهادته، واعتبرت أن أي محاولة لاتهام الأفراد أو المجموعات بالإرهاب على خلفيات ثقافية أو فكرية ستدخل الضيم والضعف على الموقف الإنساني العام الرافض للإرهاب، وقال السيد فاروق طيفور نائب المراقب العام للجماعة بتصريح لرويترز إن جبهة النصرة تعد من الجماعات التي يمكن الاعتماد عليها في الدفاع عن المدنيين ضد الجيش النظامي والشبيحة.
وفي نفس السياق استغرب السيد جورج صبرا “العلماني” – الذي كان يشغل منصب نائب رئيس الائتلاف في ذلك الوقت – القرار الأميركي، وقال إن جبهة النصرة ليست أساسية في قوى المعارضة بل هي عنصر في عدة مجموعات تشكل الجيش السوري الحر..
كان هذا الكلام في 2012 على هامش اجتماع مجموعة أصدقاء سوريا في مراكش، وكان الشيخ معاذ قد تلقى دعوة من أوباما للقاء معه في أمريكا، لكن بعيد تلك التصريحات ألغي اللقاء، وبعدها بدأ التحول في الموقف الأمريكي ابتعادا عن الثورة السورية وتقربا من إيران.
وعلى سبيل التذكير يهمني جداً أن استذكر خطبة الجمعة العصماء التي ألقاها الشيخ معاذ في مقر الجامعة العربية، حينها دعي الشيخ كرئيس للائتلاف لحضور اجتماع القمة للقادة العرب كممثل عن سوريا بعد أن جمد مقعد سوريا وبعدها مباشرة لم تدعى المعارضة السورية لحضور الاجتماعات.
علينا أن نستذكر أن ابتعاد أوباما والغرب عن دعم الثورة السورية سببه تلك السياسات الحمقاء التي اتبعت والتي كانت وبالاً على ثورة من أعظم الثورات التي شهدها التاريخ، والسبب في كل ذلك أنانية الأفراد الذين حملوا الثورة السورية أيديولوجيتهم الخاصة واحتكروا العمل ولا يزالون، ولعلي بهذه المناسبة استذكر تصريحات السيد عبد الباسط حمو نائب رئيس الائتلاف بأن “الائتلاف لن يعارض الاستفتاء في كردستان” وهو تدخل في الشأن الداخلي لدولة العراق، وكان الرد الطبيعي والعقلاني بتصريح من السيد رياض سيف رئيس الائتلاف آنذاك بأن الائتلاف معني بالعمل على تحرير سوريــة من نظام الاستبداد والجريمة، والحفاظ على وحدة ترابها وشعبها، وبناء دولة القانون والعدالة والمساواة لجميع السوريين على اختلاف انتماءاتهم ومكوناتهم.
اليوم ومع تبدل المزاج الدولي تجاه نظام الأسد وإيران والتصريحات والأفعال المتتالية ضد ايران ونشاطها الإقليمي لا زال البعض في أنانيتهم سائرين في محاولة أيديولوجياتهم (دينية أو قومية أو عشائرية) على الشأن الوطني، فتارة يعارضون الديمقراطية ويقولون بأن هدفهم إسقاط النظام فقط، وبعدها ليختار الشعب من يريد، وهذا كلام حق يخفي باطلاً في ثناياه، فكيف سيكون الشعب حراً في اختياره وسلاح الفصائل المتأسلمة مسلط على رقابه، والجوع ينهش من جسده وأموال الزكاة والصدقة في جيوبهم يستخدمونها من أجل شراء الذمم، ومن ذا الذي سيدعم إسقاط نظام عرفوه وخبروه وهو طيع بين يديهم لصالح مجهول لا يعرفونه، وفوق هذا يجلس هؤلاء ليشتموا الدول لأنها لم تساند ثورتهم، وهم بأنفسهم يخربون على الثورة كما شرحت بالأمثلة السابقة، وتارة يصبحون وعاظاً يريدون نشر الثورة في الدول ويريدون فتح روما، وتارة يقررون عن الشعب السوري بأن الحل فقط هو ما يراه الروس عبر لجة دستورية وانتخابات متناسين أن نظاماً كنظام عائلة الأسد لم يحترم قانوناً ولا دستوراً عبر تاريخه، ومتناسين بأن أي انتخابات ستجري مهما كانت حرة ومراقبة من الأمم المتحدة فستعيد نظاماً خبيرا في الالتفاف والتورية وزرع الرعب في قلوب من يعيش تحت سطوته إلا من رحم ربي.
في ظل المتغيرات الدولية التي تتماشى رياحها مع أشرعة سفن الثورة السورية لا بد لنا من التخلي عن أنانيتنا والاعتراف بأخطاء الماضي وعدم تكرارها، والاجتماع حول موقف وطني يعلن أن الثورة السورية هدفها الانتقال من دولة الاستبداد إلى دولة ديمقراطية برلمانية تعددية يتساوى فيها المواطنون في الحقوق والواجبات بعد إسقاط بنية هذا النظام كاملة والتي لا يمكن لها أن تساهم في هذا الانتقال بسبب طبيعتها الاستبدادية المجرمة ومحاكمة جميع من أجرم بحق الشعب السوري.
عذراً التعليقات مغلقة