فارس أبو شيحة – غزة – حرية برس:
تنقشُ الفنانة الفلسطينيية العشرينية بكلتا يديها أحد المجسمات الكبيرة لرجلٍ طاعن بالسن، وذلك على الرمال داخل فناء منزلها الذي لا يتجاوز بضع أمتار طولاً وعرضاً في مدينة غزة، لتشكل بفنها الجميل العديد من الأشكال التي تعبر من خلالها على واقع القضية الفلسطينية والقضايا الإنسانية والاجتماعية التي تعايشها وتسلط الضوء عليها من خلال النحت.
تقول رانا الرملاوي (23 عاماً)، من سكان مدينة غزة في حديثها مع حرية برس، أن ’’بداية الموهبة في فن النحت على الرمال كانت قبل ثلاثة سنوات، كان ذلك بالصدفة دون وضع هدف داخل مخيلتي عن ذلك الفن، وكنت أرسم تلك الأشكال الجمالية على الرمال بفناء المنزل الذي أسكنه دون وضع الملامح على تلك المجسمات في البداية‘‘.
وتضيف الفنانة الشابة ’’بعد تشجيعي من قبل الأهل على ذلك، مضيت قدماً في تطوير موهبتي التي لم أستعين بأي مادة علمية أو مشاهدة للنحاتين آخرين محترفين في ذلك الفن في العالم العربي والعالمي، حيث أنني قمتُ بشراء الجبس الصناعي لصنع مجسم كبير ذو الشكل الجمالي الذي رسمتهُ داخل مخيلتي في البداية، بالإضافة إلى شراء تلك الأدوات من مصروفي الخاص بيّ‘‘.
تدرس الرملاوي في إحدى الجامعات الفلسطينية ضمن تخصص ’’التعليم الأساسي‘‘ وهي في السنة الدراسية الثالثة، رغم بعد ذلك عن موهبتها التي تحاول تطويرها شيئاً فشيئاً وبنفسها، ذلك لأنه لم يحالفها الحظ بدرجة واحدة فقط لدخول تخصص ’’الفنون والحرف‘‘ نظراً لمعدلها في الثانوية العامة ’’التوجيهي‘‘ قبل أربعة أعوام.
وتذكر الشابة قائلةً: ’’إن تجربتي الأولى في رسم مجسم كبير بإستخدام الجبس الذي اشتريته من عيديتي الخاصة، حيث كنت سأرسم رجل كبير طاعن بالسن ووضع الملامح عليه، بالإضافة إلى رسم مجسم المرأة بمعالم وجهها وملامحها ووضع الشعر على كليهما، لكنني لم أنجح في تلك المحاولة، إلى أن لجأت بعد ذلك إلى الصلصال (الرمال)‘‘.
وتضيف الرملاوي أن ’’البداية في عالم النحت على الصلصال، جاء بعد المحاولات والتجارب التي لم أنجح فيها باستخدام الجبس، كان ذلك في يوم ماطر داخل فناء المنزل الذي أمارس موهبتي فيه، لأقوم برسم العديد من الخطوط طولاً وعرضاً مع تماسك الرمال بفعل المطر، ثم برسم مجسم إنسان بارز من الأرض، إلى أن نجحت في ذلك‘‘.
وتشير إلى أنه ’’في بداية الأمر كانت رسمي بالمجسمات الشكلية والجمالية على الرمال سطحية وبسيطة وصامتة دون ملامح لها، لأضيف بعد ذلك حركة على تلك التماثيل، إلى جانب أن الدافع الأساسي لتطوير الموهبة وثقلها كانت في أحداث مسيرات العودة على الحدود الشرقية لقطاع غزة، بعد إصابة شقيقي فيها، والرقي بالنحت بشكلٍ دقيق لإبراز تلك الملاح الجميلة والحزينة في الوقت ذاته‘‘.
وحول الصعوبات التي تواجه الرملاوي، قالت إنها تكون في كل موهبة يثقلها أي شخص على صعيد موهبته، لكن الصعوبات على صعيد موهبتها الخاصة هو عدم وجود الجذور الأساسية في الإعتماد عليها، موضحةً أنها تقوم بالنحت ورسم المنحوتات بواسطة الرمال، من خلال الإحساس الذي تعتبره معلمها الأساسي في ذلك الفن، مشيرةً أيضاً إلى انهيار تلك المجسمات نتيجة المطر، إلا أنها تحاول التغلب على تلك المشكلة وحلها.
ورغم تلك العراقيل والصعوبات إلا أن الشابة العشرينية تحاول السيطرة على تلك المنحوتات التي ترسمها بواسطة مادة ’’الصلصال‘‘، من خلال تماسك جزئيات الرمل مع بعضها البعض.
أما بالنسبة للإمكانيات المادية، تقول الرملاوي ’’أستعين بالرمال الغير المكلفة مع استخدام الأدوات البسيطة والمتوفرة كالقلم والمسطرة والخشبة في بعض الأوقات، وغيرها من الأدوات في رسم المجسمات والنحت على الرمال‘‘.
وتتمنى الرملاوي في السنوات القادمة بعد الرقي والإحتراف في عالم فن النحت، أن تمثل قضيها على المستويين العربي والدولي، مع المشاركة في العديد من البرامج خارج البلد نظراً لحصار الاحتلال الإسرائيلي على المعابر الذي يمنع الرقي بالمواهب، إلى جانب نشر تلك المنحوتات وتقديم الدعم المادي والمعنوي من قبل الجهات المعنية والمختصة، للقيام في صنع العديد من المنحوتات التي تمثل القضية الفلسطينية ذات الجذور الأصيلة.
وتوجه الفنانة الفلسطينية الرملاوي، رسالة إلى الطاقات الشبابية المبدعة في قطاع غزة، بالجد والمثابرة والرقي في تطوير الموهبة، إلى جانب استثمار شبكات التواصل الاجتماعي في نشر أعمالهم، كونها قامت باستخدام تلك المواقع في نشر منحوتاتها وأعمالها لتعريف الناس بها.
ويعد فن النحت على الرمال، فن من أقدم الفنون المرئية، لكنه برز بشكل خاص في ـواخر القرن العشرين مع تزايد أهمية العدسة في الحياة اليومية للإنسان وتسليط الضوء عليها على أرض الواقع، حيث يضع الممارس لفن النحت على الرمل في ذاكرته الصورة التي يودّ رسمها، ومن ثم يختار المكان المناسب كشاطئ البحر وغيره من الأماكن ذات التربة التي تعد مناسبة لصاحب تلك الموهبة.
عذراً التعليقات مغلقة