جريمة التغيير في الديموغرافية السورية.. حمص أنموذجاً

ربا الحمود20 فبراير 2019آخر تحديث :
ربا الحمود
صورة لبشار الأسد على بناء مدمر في شارع طريق حماة في حمص ويظهر الدمار الكبير الذي تسبب به قصف قوات الأسد

تؤكد عمليات التهجير القسري التي مارسها نظام الأسد في كثير من المناطق السورية أن التغيير الديمغرافي كان عملية ممنهجة تستهدف إعادة التركيب السكاني في سوريا على نحو يوافق أطماع النظام في فرض سيطرته بالقوة والعنف، ويعتبر القانون الدولي عمليات التهجير القسري جريمة ضد الإنسانية، حيث يعرف القانون الدولي التهجير القسري بأنه إخلاء غير قانوني لمجموعة من الأفراد والسكان من الأرض التي يقيمون عليها، وهو يندرج ضمن جرائم الحرب وجرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية.

ومن أبرز الأدلة على أن سياسة التغيير الديمغرافي في سوريا عبر التهجير القسري هي عملية ممنهجة ومتعمدة، أن سكان المناطق التي تم تهجير أبنائها خلال المواجهات المسلحة مع المعارضة، منعوا من قبل قوات نظام الأسد والمليشيات المسلحة الداعمة له، من العودة إلى مناطق سكانهم السابقة رغم استقرار الوضع الأمني، وانتهاء العمليات المسلحة منذ سنوات.

كان النزوح الأول للسوريين من “باب عمرو” و “باب السباع” في الشهور الأولى من العام 2012، فقد خسر الحيّان الكثير من السكان بين معتقل وشهيد ومفقود وكذلك من قضى من العائلات تحت الأنقاض من قصف دبابات وطيران النظام المجرم.

بخصوص حي باب عمرو، فقد تم تدميره بشكل ممنهج ومدروس مع تخريب البنية التحتية للحي من ماء وكهرباء بالكامل، ليصبح من المتعذر على أهالي الحي العودة والسكن مجدداً، خاصة مع بث شائعات الذعر بين الأهالي أن الحواجز الأمنية الموضوعة على مدخل الحي تقوم باعتقال الشباب والنساء.. وفعلاً تم اعتقال العديد ممن حاولوا على الأقل زيارة الحي بعد حين.

بعد سيطرة قوات الأسد على حي باب عمرو في حمص في مطلع العام 2013 منع الأهالي من العودة إليه

حي “باب السباع” لقي مالقي من تدمير عبر راجمة صواريخ وضعت عند الحاجز المعروف بـ “الفارابي”، وتم تدميره بشكل جزئي.. وبقيت بعض المنازل بحالة قابلة للسكن.. لكن تم وضع اليد عليها من قبل من أطلق عليهم “الدفاع الوطني”.. ليقوموا بتأجير المنازل بعد الاستيلاء عليها بشكل غير شرعي بعد منع أهالي الحي من العودة إليه.

أحد سكان الحي يقول: عدت إلى منزلي لأطمئن عليه.. وهو يقع مقابل مدرسة الفارابي.. لكن تم طردي وتهديدي بالقتل على مرأى من الجميع لو فكرت بالعودة، وذلك من قبل عناصر حاجز تابع للأمن العسكري يدعى حاجز الفارابي.

حالياً الحي مسيطرعليه من قبل شبيحة مليشيات محلية (الدفاع الوطني) وتم منع الأهالي من العودة إليه.. إلا بعض العائلات المسيحية، حيث يتم استغلال وجودهم لأهداف سياسية.

دمار واسع في حي باب السباع في حمص ويمنع الأهالي من العودة إليه بعد سيطرة شبيحة نظام الأسد عليه

في فترة متقاربة فر أهالي حي العباسية المجاور لحي البياضة وحي ديربعلبة، وهو حي يسكنه خليط من أبناء الطائفة العلوية والسنية، إلى حارات أخرى إثر اشتباكات طالت البشر والبيوت.

وعندما قرروا العودة فوجئوا بوجود مليشيات شيعية (سوريين وإيرانيين) وضعت يدها على الحي بأكمله ومنعت الأهالي من العودة.

مواطن من الطائفة العلوية يروي ما حدث:

بعد أن بسط النظام سيطرته على الحي.. كنت وعائلتي قد انتقلنا بشكل مؤقت للسكن في منزل أختي في حي الأرمن.. وما إن ذاع خبر خلو الحي من القنص والاشتباكات عدت إلى منزلي.. لأفاجئ بعناصر مقاتلة إيرانيين يسكنون المنزل ويدّعون أن المنزل لهم.

ويتابع: ذهبت إلى الشرطة لأشتكي لكن لم يقبل أحد بتسجيل شكواي.. إلى أن نصحني البعض بإيجاد وسيلة تفاهم ودية مع من قطن المنزل لأنهم لن يخرجوا من المنزل في الوقت الحالي.. مع التلميح ألا أكسب عداءهم حفاظاً على حياتي وعائلتي، عملت بنصيحتهم وذهبت مع صديق إلى منزلي الذي بات كباقي المنازل ترسانة عسكرية مع أكياس من الرمل على النوافذ والأسطح وصناديق الذخائر مرمية هنا وهناك.. وتلمح القناص يترصد من بعيد، منعت من الدخول إلى المنزل.. وكان حديثنا على الباب.. وفحوى الحديث أن الحي لهم لأنهم دافعوا عنه.. وسيشترون المنزل بما فيه.. والصدمة كانت بالرقم الذي وضعوه.. (مليون ليرة سورية فقط) بحجة أنه متداعي وبحاجة إلى ترميم.. رفضت وغضبت فتم طردي بشكل مهين.. مع تهديدي بالقتل أو أذية أهلي لو فكرت بالعودة مجدداً إلا لأجل البيع فقط.

ويستطرد: لست أنا فقط من سرق منه منزله.. كان مثلي العشرات، لكننا لم نجد باباً أو أحداً يستمع لشكوانا.. والمفارقة أن المنزل عليه قرض للبنك العقاري.. وهناك البعض من السكان قبل ببيع منزله بهذا الزمن.. وبعد فترة وجيزة أخبرني صديق بأنني استطيع الحصول على منزل ضمن حي كرم الزيتون على يد وسيط لشبيحة الدفاع الوطني.. وذلك بعد تهجير أهله الأصليين منه إثر مذبحة مريعة.. وبالفعل استطعت الحصول على منزل قابل للسكن وشبه متداعٍ.. قمت بالإصلاح وتأهيل غرفتين مهدمتين وبدون سقف به ودفعت مبلغاً يساوي 500 ألف ليرة لوسيط لهم مقابل البقاء وعدم الخروج مطلقاً.. أو على الأقل حتى إشعار آخر.. كان ذلك حال كل بقي دون مأوى.

بعد فترة وجيزة كان حي كرم الزيتون متخم بالسكان المهجرين ومن طائفة واحدة فقط كشرط للسكن فيه (الطائفة العلوية وبعض الأقليات).

كذلك أحياء البياضة والخالدية وحي جورة الشياح تم تدميرهما بشكل مخيف ومنع أي أحد من دخول هذه الأحياء.

ما يزال أهالي حي البياضة المدمر في حمص ممنوعين من العودة رغم سيطرة نظام الأسد والمليشيات الشيعية عليه منذ 6 أعوام

سمح لبعض الأهالي في أحياء كرم شمشم والحميدية ووادي السايح بالعودة إلىها بعد وقف الحصار عنها.. لكن أيضاً بعد مهزلة تقصدها النظام، وهي السماح بالسرقة أمام أعين الجميع ودون أي رادع.. حيث سرقت محتويات البيوت ضمن مجموعات منظمة وكانت الشاحنات المتخمة بمفروشات البيوت تخرج من الحي بعد دفع المعلوم للحواجز المحيطة.. كل ذلك لأجل أن يصبح الأهالي غير قادرين على العودة، إلا في التفكير بكيفية الحياة من تحت الصفر.

دمار هائل في حي الخالدية بحمص وتظهر الصورة قبة مسجد خالد بن الوليد

أما بخصوص مناطق الحدود اللبنانية السورية وخاصةً بعد معركة القصير التي حولت البلدة إلى أنقاض إثر القصف العنيف الذي تعرضت له وبعد سيطرة قوات من مليشيا “حزب الله”.. أراد سكان المنطقة المحاذية لـ تل النبي مندو والمزارع المحاذية لها العودة لأراضيهم للعناية بها، وإلى منازلهم.. فقام النظام تعبيراً عن حسن النوايا بالطلب من الأهالي الراغبين بالعودة تسجيل اسمائهم وأماكن سكنهم تمهيداً لترتيب عودتهم إلى منازلهم.. وفعلاً عمل الأهالي بالتوجيهات.. فكان أن قام عناصر مليشيا الحزب بالتنسيق مع النظام بتدمير المنازل التي تقدم أصحابها بطلبات الرغبة للعودة، عبر تفخيخها و نسفها من قواعدها لتصبح ركاماً يستحيل السكن فيها.

وبعد فترة وجيزة تم احضار عائلات شيعية تابعة لعناصر مليشيا “حزب الله” وتم إسكانهم في الأراضي الحدودية الزراعية وباتوا يزرعون الأرض وكأنها ملك لهم.

ساحة مدينة القصير في محافظة حمص ويظهر الدمار الكبير التي تسببت به قوات الأسد ومليشيا حزب الله، ويظهر في الصورة عناصر من مليشيا الحزب

ديموغرافياً.. لم يعد الشريط الحدودي السوري اللبناني تابع للنظام السوري بل بات لمليشيا “حزب الله” والحواجز السورية الخلبية الموجودة من حاجز الفرقة الرابعة والمخابرات الجوية والحاجز الأسوأ للأمن العسكري.. ليست إلا عبارة عن تواجد تجميلي، حيث لا قرار لهم ولايحق لهم إيقاف أو تفتيش أي سيارة تابعة للحزب.

أحد سائقي مليشيا “حزب الله” يقول : “كل حواجز السوريين بيسووا عنا كم باكيت دخان”.

أمام كل هذا التلاعب ولتكتمل فصول العبث.. يفاجأ سكان المدينة المنكوبة بصاروخ موجه يخرج من مركز إطلاق الصواريخ المتواجد في ثكنه محاذية لحي وادي الذهب.. يطال بناء المصالح العقارية بكل ما فيه من أوراق ووثائق تحمي أملاك السكان ومصالحهم.. وترك المبنى يحترق ليومين متتاليين دون أدنى محاولة لإطفائه بحجة صعوبة الوصول إليه.

وأما عن ديمغرافية التغيير الوحيدة التي بقيت بأيدي النظام.. فقد بقي له فقط  مفاصل التحكم بالوظائف العامة المدنية.. حيث باتت المسابقات تمنح لموظفي الطائفة العلوية في حمص بنسبة 90% وماتبقى للطائفة المسيحية.. مع التقصد بعدم وجود أي حضور لأبناء الطائفة السنية إلا ما تم تعيينه مسبقاً.

ولو توسعنا قليلاً في الخارطة السورية المنكوبة.. لوجدنا الجنوب محتلاً بقوات إيرانية مع سلاحها الثقيل.. مع تواجد خجول لقوات نظام الاسد.. والساحل السوري بالكامل قاعدة كاملة للروس.. والشمال يشهد تواجداً أمريكياً وكردياً وقوات مختلفة.

ولازال رأس النظام يعيش حالة الانفصال عن الواقع، وكأنه على كوكب آخر، ويتغنى بتمجيد “الإنتصار” من قصر حي المهاجرين، وهو متشبث بكرسيه البغيض!

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل